وهو من ناحية أخرى صدر في بعض مواقفه عن روح الإسلام الصافية وتعاليمه السمحة، وانضم إلى بعض الثائرة التي دعا زعماؤها إلى ضرورة تساوي المسلمين من العرب والعجم، فقد انفصل عن قومه العرب، واتصل بالأتراك المتمردين على أشرس السلمي بسمرقند، لأنه فرض الجزية على مسلميهم، بعد أن كان مناهم بإزالتها عنهم إذا دخلوا الإسلام، فلما تضاءلت المبالغ المجموعة منهم، تراجع عن منهجه الإصلاحي الذي اقترحه لمعالجة أوضاعهم السيئة، وأخلف وعوده لهم، كما تسلط عليهم، فاستصوب ثابت ثورتهم، وأيدها إيمانا منه بسلامتها وشرعيتها، واعتقادا منه بحتمية تكفائهم مع العرب في الحقوق والواجبات، بعد إسلامهم فاعتقل في سبيلهم، وقضى مدة في السجن من أجلهم.
وهو من ناحية ثالثة تعمقته العروبة والقومية فجاهد أهل خراسان وأهل ما وراء النهر مرارا، كما تخلى عن مناصرته لأهل سمرقند، وحاربهم مع أشرس حربا لا هوادة فيها، وقتل وهو يساهم في القضاء على ثورتهم!
ويدل ذلك من غير شك على أنه كان مشتت الفكر، متناقض السلوك، متأرجحا بين النزعة الإسلامية والنزعة القومية، ولكننا نقطع استئناسا بأشعاره أن كل تلك الاتجاهات الفكرية الدينية، والإنسانية والقومية كانت طارئة على ثقافته وشخصيته، ضعيفة التأثير في نفسيته. ولذلك فإنها إنما حملته على الالتزام ببعض المواقف النظرية، أو العملية القليلة إلى حين قصير. أما العامل الأساسي الذي شكل ثقافته وشخصيته وسلوكه فهو التراث الجاهلي القبلي، فقد اتخذ على طوال حياته جانب قومه من الأزد، وتطوع للدفاع عن مصالحهم ومنافعهم وأهدافهم، فكان دائما متحيزا لهم، مفتخرا بهم، مقدما إياهم على كل القبائل، كما حث المهالبة على العمل الجاد لهدم دولة بني أمية، ولم يقف به تحيزه لهم عند التصدي لمنافسيهم من قيس وتميم فحسب، وإنما ساقه إلى التنديد بحلفائهم من بكر حين تضاربت مطامع الطرفين وتباينت، وغلا في عصبيته لهم حتى دعا المهلب بن أبي صفرة إلى قصر الوظائف عليهم، وعنف أسدا القسري حين عزله عن إدارة سمرقند.
ولا يتضح تأثير التراث الاجتماعي والثقافي الجاهلي القبلي في سلوكه العملي