فحسب، بل يتضح كذلك في فنه. فشعره في أكثر موضوعاته يكاد يكون صورة عن الشعر الجاهلي، إذ يرجح فيه المعاني والألفاظ والتراكيب الجاهلية، فهو إن مدح فإنما كان يمدح بكرم النسب، ونباهة الذكر، وعظم الشأن، وبالمروءة ومقوماتها من شجاعة وجود وحماية للجار، وإغاثة للملهوف. وهو إن هجا فإنما كان يهجو بوضاعة الأصل، وخمول المنزلة، بل إنه ركز في كل أهاجيه على النسب، ورمى جميع الذين هجاهم بأنهم أدعياء لا أصلاء. وهو إن رثى فإنما كان يرثي على الطريقة القديمة، فينوح على الفقيد، ويذكر القذى والعوار، والسهر والسهم الناقع، والثريا، وليل التمام، ويقرظ الهالك تقريظا جاهليا، ويحمل رثاءه له التهديد وأخذ الثأر. وهو إن افتخر فإنما كان يفتخر ببسالته واستهانته بالحياة، وإتلافه لثروته، وبمجد قبيلته وعزتها وانتاصفها لنفسها، وعسفها بأعدائها.
ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن ثابت قطنة كان مثالا للشاعر الأموي الخراساني الذي استظهر الحياة الجاهلية بكل قوانينها وتقاليدها الفنية، وأنه كان متحزبا للأزد إلى أبعد حدود التحزب، دون مراعاة للوضع الاجتماعي والسياسي الجديد، أو اعتبار بأن قبيلته مثل القبائل الأخرى، وأن لها من الامتيازات ما لها، وعليها من المسئوليات ما عليها. فهمه هم فردي وقبلي. وهو يعكس في النهاية ما تضخم في خيالات الأزد وأهل اليمن من إحساس بعزهم القديم، وشرفهم التليد، ومجدهم الجاهلي الأزلي، وما انطوت عليه نفوسهم من مرارة وتبرم بحالهم في الإسلام١، وحزن على دورهم البطولي الإسلامي الذي ذهب هدرا، وكيف أنهم احتضنوا الرسول بالمدينة، ومكنوا له، وساعدوه على أعتى خصومه، ثم لم يخرجوا من المعركة السياسية بنصيب الأسد، ولا بأمير منهم، وأمير من قريش! وهو يعكس أيضا موقف الأزد وأهل اليمن بخراسان، وطموحهم السياسي، واجتهادهم ما وسعهم الاجتهاد للاستواء على عرش الإمارة والسلطان، وقلة مبالاتهم في سبيل تحقيق هذه الغاية بمصلحة الجماعة، أو بمنفعة حلفائهم، أو بطاعة الخليفة.