نجوم يهتدى بهم إذا ما ... أخو الظلماء في الغمرات حارا
والقصيدة توضح ما كان بنفس الشاعر بل بنفوس الأزد من سخط وضيق بمصيرهم بعد الإسلام، وكيف أنهم حرموا حقهم في الرئاسة١، وتفصح عن آمالهم العراض فيها. فهو معتد بالأزد أقصى الاعتداد، شامخ بالمهالبة منهم أعلى الشموخ. وهو يستند في اعتداده وشموخه إلى أساسين: الأول عزهم الجاهلي المؤثل الباقي على الدهر، والثاني مجدهم الإسلامي الأصيل النامي على مر السنين، والمتمثل في مساهمتهم القوية في القضاء على الثورات العنيفة، التي كاد أصحابها يديلون من الخلفاء الأمويين، لولا مساعدة الأزد لهم. وهو يريد الخلفاء الأمويين القرشيين أن يعترفوا بمكانة الأزد وعظمتهم، ويريدهم أن يردوا إليهم نصيبهم في الحكم. وهو لذلك لا يكاثر القبائل التي ليس لها حظ كبير في الملك، وإنما يختار القرشيين على وجه التخصيص، ويطاولهم ويستعلي عليهم. فهم الذين يستأثر الأمويون منهم بالخلافة، وهم الذين كان للأزد وأهل اليمن دور في تأييدهم وتعضيدهم في أول عهد الإسلام، وهم الذي تنكروا لمن ساعدهم وجحدوهم حقهم. وهم الآن عاجزون عن حماية أنفسهم من الخارجين عليهم، مقصرون عن توفير الأمن والاستقرار في الأمصار التي تغلي بالثورة عليهم، فعادوا إلى التماس العون من الأزد، فسارعوا إلى دعمهم، وثبتوا سلطانهم. وهو لا يريد أن تتكرر المأساة من جديد، ولا أن يغمط الأزد حظهم في المشاركة الفعلية في الزعامة.
وبعد أن فتك المهلب بالأزارقة فتكا ذريعا، أرسل كعبا إلى الحجاج بن يوسف، ليقدم إليه تقريرا عن سير العمليات ونتائجها، ويزف إليه بشرى انتصاره الساحق في كل عملية منها. فإذا هو لا يقدم إليه تقريرا موجزا في مقطوعة، بل ينشد بين يديه قصيدة مطولة تبلغ ثلاثة وثمانين بيتا، وتكاد تكون ملحمة قصيرة. لسرده فيها سردا قصصيا حماسيا وقائع المهلب مع الأزارقة، وهو يقول فيها بعد المقدمة الغزلية ومديح الحجاج، واصفا حال الناس بالبصرة، واستخفافهم بأمر الأزارقة، حتى تكاثفوا وتعاظم خطرهم، فاختبأ الرجال في منازلهم، وأحجموا عن