للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومع تهوره في تحيزه للأزد، ولجاجته في التمدح بل التبجح بهم، فإنه لم يتجاهل بني تميم، ولم يقلل من مكانتهم وقيمتهم، فقد كانوا أضخم كتلة عربية بخراسان، وكانوا يخلصون في قتالهم الترك مع جميع الولاة، في كل الغزوات، ويصدقون في دفاعهم عن العرب في الضائقات، وكان هو يبصر بعينيه حفاظهم الصلب، وجهادهم العنيد عن العرب أيا ما كانت قبائلهم وأهواءهم، فأرغمته حقيقتهم وأفعالهم على الإقرار بضخامتهم وشجاعتهم، خاصة يوم أن أسرعوا لإغاثة العرب المحاصرين بقصر الباهلي من أعمال بسمرقند، ونجحوا في فك الطوق الذي ضربه الترك عليهم، وتمكنوا من تحريرهم. وفي عظمتهم وبطولتهم يقول معترفا معجبا١:

أتاك أتاك الغوث في برق عارض ... دروع وبيض حشوهن تميم٢

أبوا أن يضموا حشو ما تجمع القرى ... فضمهم يوم اللقاء صميم

ورزقهم من رائحات يزينها ... ضروع عريضات الخواصر كوم٣

ولكنه عاد فحقد عليهم، لانتقاصهم المهالبة عند قتيبة بن مسلم، كما فرح بنكبة قتيبة لهم لأنهم أثاروا عليه الجند، وحملوهم على سوء الطاعة له، فاستأذن الحجاج في قتلهم، ثم قطع رؤوسهم. وراح يذكرهم بحسن معاملة المهالبة لهم، وكيف أنهم استشفعوا لهم عند الحجاج، واستوهبوا دماءهم منه، يوم أن كتب إلى المفضل ويزيد ابني المهلب بإعدامهم. وفي رعاية المهالبة لهم، وفتك قتيبة بهم يقول٤:

قل للأهاتم من يعود بفضله ... بعد المفضل والأغر يزيد

ردا صحائف حتفكم بمعاذر ... رجعت أشائم طيركم بسعود

ردا على الحجاج فيكم أمره ... فجزيتم إحسانه بجحود


١ الطبري ٧: ٤٩٣.
٢ العارض: الجيش الذي يسد الأفق لكثرته.
٣ الكوم: جمع كوماء، وهي الناقة الضخمة السنام.
٤ الأغاني ١٤: ٢٩٣.

<<  <   >  >>