للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فاليوم فاعتبروا فعال أخيكم ... إن القياس لجاهل ورشيد

ونظم بأخرة من عمره مقطوعات صور فيها آلامه النفسية، وهمومه الذاتية، وما جلبه عليه ذمه للمهالبة في ولاية قتيبة بن مسلم من خوف وتشرد وانكسار، وضياع وافتقار. وفي إحداها يقول واصفا عزمه على الرحيل من مرو الشاهجان إلى عمان، للاختفاء بها، فرارا من ابن المهلب، وهربا من كيده، ونجاة من غدره، وإفلاتا من عقابه١:

وإني تارك مروا ورائي ... إلى الطبسين معتام عمانا٢

لآوي معقلا فيها وحرزا ... فكنا أهل ثروتها زمانا

وفي مقطوعة ثانية يقول معبرا عن سوء حاله بعمان، ومكفرا عما ارتكبه من جرم شنيع بتشويهه سيرة المهالبة، معلنا أن قتيبة هو الذي خدعه وغرر به، فعابهم وثلبهم، بعد انقطاعه إليهم بخمسين عاما، يدعو لهم، ويثني عليهم، وطالبا العفو منهم، حتى يعود إليهم، ويستأنف حياته بجوارهم٣:

بئس التبدل من مرو وساكنها ... أرض عمان وسكنى تحت أطواد

يضحي السحاب مطيرا دون منصفها ... كأن أجبالها علت بفرصاد٤

يا لهف نفسي على أمر خطلت به ... وما شفيت به غمري وأحقادي٥

أفنيت خمسين عاما في مديحكم ... ثم اغتررت بقول الظالم العادي

أبلغ يزيد قرين الجود مألكة ... بأن كعبا أسير بين أصفاد

فإن عفوت فبيت الجود بيتكم ... والدهر طوران من غي وإرشاد

وإن مننت بصفح أو سمحت به ... نزعت نحوك أطنابي وأوتادي


١ الأغاني ١٤: ٢٩٢.
٢ اعتام: اختار.
٣ الأغاني ١٤: ٢٩٢.
٤ المنصف: الوسط من كل شيء. وعلت: سقيت مرة بعد مرة. والفرصاد: صبغ أحمر.
٥ خطل: تسرع. والغمر: الحقد والغل.

<<  <   >  >>