للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأزارقة، وكيف أن جميع القبائل قعدت عن مجابهتهم، حتى بادر المهلب إليهم، فطاردهم وقهرهم ووقى الناس بلائهم كما تحدث عن صفات المهلب الخلقية الرفيعة من إباء في النفس وقوة في الإرادة وصلابة في العزيمة، وسماحة في الطبع، فإذا هو عنده نظير عثمان أو عمر في سياسته لرعيته، إذ كان يصفح عن المخطئ، ويجير المذعور، ويواسي البائس.

وله قصيدة ثانية طويلة في مديح المهلب، كان سبب قوله إياها أن المهلب كان أنفذ بعض بنيه في جيش لقتال الأزارقة، وقد شذت منهم طائفة تغير على نواحي الأهواز، وهو مقيم يومئذ بسابور. فلما طال مقام المغيرة، واسقر الجيش، ولحق بأهله، فألم بهم، وقضى عندهم شهرا، ثم عاد وقد قفل الجيش إلى المهلب. فقيل له إن الكتاب خطوا على اسمه، وحذفوه من ديوان الجنيد، وكتبوا إلى المهلب أنه عصا وفارق مكتبه بغير إذن فسار إلى المهلب، حتى لقيه فاعتذر إليه، فعذره وأمر بإطلاق عطائه، وإزالة العتب عنه. فأنشده قصيدته التي ذكر في مقدمتها أن حنينه إلى موطنه وأهله قد غلبه، وأنه إنما رجع من الأهواز إلى البصرة لتشوقه إلى زوجته، فهو إنسان كغيره من الناس له عاطفته وغريزته، وهو لا يصبر على التجمير في الغزو طويلا. ثم انتقل منها، وأخذ يغني المهلب بأسه وجوده، وانتصاراته، وقيامه بحماية الناس في الفتن والمحن، وتحقيقه الأمن والسلامة لهم في النائبات والضائقات، يقول١:

أمن رسوم ديار هاجك القدم ... أقوت وأقفر منها الطف والعلم٢

وما يهيجك من أطلال منزلة ... عفى معالمها الأرواح والديم

بئس الخليفة من جار تضن به ... إذا طربت أثافي القدر والحمم٣

دار التي كاد قلبي أن يجن بها ... إذا ألم به من ذكرها لمم٤


١ الأغاني ١٣: ٨٧، والكامل للمبرد ٣: ٤١٣.
٢ أقوت: خلت واندثرت. والطف: ما أشرف من أرض العرب على رديف العراق. والعلم: جبل.
٣ الحمم: جمع حمة، وهي الفحم.
٤ اللمم: الجنون.

<<  <   >  >>