للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شريكين فيما نحن فيه وقد أرى ... علي له فضلا بما نال من فضل

وله مقطوعة طريفة يصف فيها حزنه على جارية له، اضطر إلى بيعها لعمر بن عبيد الله والي البصرة لابن الزبير، لأنه افتقر وابتأس، يقول١:

لولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا سوى الموت فاعذري

أروح بهم في الفؤاد مبرح ... أناجي به قلبا قليل التصبر

عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر

فشخصية المغيرة -كما تصورها أشعاره- شخصية قويمة في تركيبها وسلوكها، فهو بريء من العقد القبلية المؤرقة، سليم من الأهواء السياسية المقلقة. فنحن لم نعثر له على موقف حابى فيه قومه أو تحامل على غيرهم إلا في القليل النادر٢. وكأنما هذبت الجندية نفسه من رواسب العصبية الطائشة، والأنفة الزائدة، والحمية الفارغة، التي تستحيل مرضا نفسيا يشوش الذات ويمسخها، وشدته إلى الجماعة شدا، وربطته بالجهاد في سبيلها ربطا، إلا إذا استفر أو جرح في كرامته، فإنه كان يندفع للرد على من استثاره أو اعتدى عليه. أما بعد ذلك فهو شاعر فارس لا يفكر في نفسه، ولا في قبيلته، بل يفكر في الجهاد، ولا يقدر الرجال إلا بحقائقهم وأعمالهم. ولا جدال في أن وفاءه للمهالبة، واستهلاكه شعره في مديحهم حتى قيل إنه شاعرهم لا يدفع على تخليه عن العصبية القبلية، وشاهد لا يرفض على سماحة نفسه، ونضوج رأيه، فقد ناضل الأزارقة مع المهلب، وفيهم أبناء قبيلته أروع نضال، وقلده أبدع المدائح، وقاتل الترك مع قتيبة بن مسلم أبسل قتال، ونوه به أجمل تنويه. بذل دمه من أجل أمته وعروبته وعقيدته، كما أنه لم يكن مقتصدا منصفا شفافا في سلوكه العام، بل كان كذلك في سلوكه الخاص، في عائلته، وبين أصدقائه٣.


١ أنساب الأشراف ٥: ٢٢٧، والأغاني ١٥: ٣٨٩، دون هزو.
٢ الطبري ٧: ٤٩٦.
٣ الطبري ٨: ١٢٢٣، ١٢٢٦.

<<  <   >  >>