للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في الخفاء، ولا يختلس النظر إلى بيوت الناس، ولا يذمهم، خشية من عقاب الله، فإنه مطلع على كل شيء، محيط بكل غيب، يقول١:

أعوذ بالله من حال تزين لي ... لوم العشيرة أو تدني من النار

لا أقرب البيت أحبو من مؤخره ... ولا أكسر في ابن العم أظفاري٢

إن يحجب الله أبصارا أراقبها ... فقد يرى الله حال المدلج الساري٣

وهو يدعو الرفيق إلى التغاضي عن هنات رفيقه وسقطاته، فليس من إنسان كامل في الوجود، والصاحب يحتاج إلى صاحبه، ولكنه يحترز من الخليل المتغير المتقلب، الذي يبدي خلاف ما يضمر، يقول٤:

خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه ... ولا تك في كل الأمور تعاتبه

فإنك لن تلقى أخاك مهذبا ... وأي امرئ ينجو من العيب صاحبه

أخوك الذي لا ينقض النأي عهده ... ولا عند صرف الدهر يزور جانبه

وليس الذي يلقاك بالبشر والرضا ... وإن غبت عنه لسعتك عقاربه

ويضرب مثلا على ذلك معاملته لصديقه، فهو ينزل به منزلة نفسه، وهو يقسم له في راحلته ومؤونته، وهو يذهب إلى أن إحسانه إليه لا يجعل له يدا عليه، فإن اليد إنما تكون لصديقه لأنه قبل المعروف منه، يقول٥:

إذا ما رفيقى لم يكن خلف ناقتى ... له مركب فضل فلا حملت رحلى

ولم يك من زادي له نصف مزودي ... فلا كنت ذا زاد ولا كنت ذا رحل


١ الكامل للمبرد ١: ١٠٣، والحماسة البصرية ٢:٥٥.
٢ لا أقرب البيت أحبو من مؤخرة: أي لا أتيه لريبة. ولا أكسر في ابن العم أظفاري: أي لا أغتابه.
٣ المدلج: الذى يسير أول الليل.
٤ أمالي القالى: ٢: ٢٢٧، والحماسة البصرية ٢: ٧٠.
٥ الحماسة البصرية ٢: ٣٨.
٦ المزود: وعاء الزاد.

<<  <   >  >>