للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شم الغيث وانظر ويك أين تبعجت ... كلاه تجدها في يد ابن المهلب١

يداه يد يخزي بها الله من عصى ... وفي يده الأخرى حياة المعصب٢

وله مقطوعة ثالثة في مديحه أنشدناها في الفصل السابق٣.

وإنما عددنا مدائحه من شعره القبلي والسياسي، لأنها تكشف عن موقفه من المهالبة في أثناء حكمهم لخراسان، وكيف أنه لم ينفر منهم، ولم يظهر بغضا لهم، غضبا لقبيلته، أو احتجاجا على نهوضهم بالولاية. ولكنه سرعان ما غير رأيه فيهم، وخاصة بعد تمرد ابن المهلب على الأمويين، وفتك مسلمة بن عبد الملك به، مما نستنبط منه أنه لم يشد بسياسته وأسرته، لأنه كان غافلا عن العصبية القبلية، أو لأنه كان جاهلا بطبيعة العلاقات السياسية بين القبائل العربية بخراسان، بل لأنه كان يبتغي المنفعة العاجلة التي يصلح بها أموره. فنحن نستشف من شعره الذي قاله في القضاء على ثورة المهالبة، شماتة بهم، ومطاولة لمسلمة بن عبد الملك، وبني أمية بمؤازرة بني تميم لهم، وانتقادا لسياستهم، وما بنيت عليه من اعتماد على المهالبة، وتقوية لهم، فإذا هم حين اشتدت شوكتهم يغدرون بأولي نعمتهم، ويحاولون الإطاحة بهم. ونستشف منه مراجعة للأمويين، لعلهم يبدلون موقفهم من بني تميم، ويقرون بقدرتهم وضخامتهم، ويعترفون بإخلاصهم ووفائهم. وقد عبر عن كل ذلك في قصيدة لامية طويلة ضاع أكثرها، ووصل أقلها وأدلها على عصبيته القبلية ومنها قوله٤:

أمسلم إنا قد فصحنا فهل لنا ... بذاكم على أعدائكم عندكم فضل

حقنتم دماء المصلتين عليكم ... وجر على فرسان شيعتك القتل

وفاتهم العريان فساق قومه ... فيا عجبا أين البراءة والعدل


١ شام البرق: نظر إليه أين يمطر. وي: اسم فعل بمعنى أعجب، والكاف للخطاب. تبعج السحاب بالمطر: انفرج عن الوبل الشديد. وكلية السحاب: أسفله.
٢ المعصب: الذي عصبته السنون أي أكلت ماله. والذي يتعصب بالخرق من الجوع.
٣ الأغاني ١٤: ٢٦٦.
٤ ياقوت ٣: ٥٩٠، والحيوان ١: ١٩١، والبيان والتبيين ٢: ١٤٨.

<<  <   >  >>