للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مات المغيرة بعد طول تعرض ... للموت بين أسنة وصفائح

والقتل ليس إلى القتال ولا أرى ... حيا يؤخر للشفيق الناصح

فشخصية زياد -كما تظهرها -أشعاره- شخصية غريبة، فيها التناقض والغموض والتمرد. فهو من ناحية تمثل الحياة العربية بكل تقاليدها، وحذق تاريخ العرب في الجاهلية، وألم بمحامدهم ومثالبهم إلماما واسعا، وانتسب إلى عبد القيس وافتخر بموالاته لهم، وندب نفسه للمحاماة عنهم، ووبخ كل من أساء إليهم، سواء من الأزد وبكر أو من تميم.

وهو من ناحية ثانية كان يتزيا بزي وطنه، فكان يخرج بخراسان، وعليه قباء ديباج، تشبها بالأعاجم١، وتمسكا بأصله القديم، وإحياء لتراث بلده وأهله، كما كان مولعا بالشرب، مستهترا بمعاقرة الخمر٢.

وهو من ناحية ثالثة كان فيه حدة وثورة وتطرف. فكان لا يتلبث، ولا يتريث، ولا يتأدب ولا يتعفف حتى مع أكبر الشخصيات من الولاة والأمراء. فقد كان إذا مدحهم وسألهم وقصروا في صلته يتحول إلى هجائهم أشنع هجاء.

ولعل نزقه وحمقه، وتبدله وتقلبه تكشف عن قلقه وتشككه في وضعه ووضع أمثاله من الموالي، ولعل إفحاشه في الهجاء، وإسفافه فيه، واستخدامه أبذأ الألفاظ، وأبشع السباب، تعكس ما كان يعتمل في صدره من الغضب على العرب، وقصده إلى تحقيرهم وإهانتهم بطريقة ملتوية.

أما شعره فواضح أنه استغرقه في المديح والهجاء. والقدماء يقولون: "إنه كان شاعرا جزل الشعر، فصيح الألفاظ، على لكنة لسانه، وجريه على لفظ أهل بلده"٣. وهو حكم فيه شيء من المبالغة، إلا إذا كان أكثر شعره الجيد قد فقد. فإن ما بقي من شعره قصير مهلهل، إلا مرثيته الحائية لابن المهلب. وليس من شك


١ الأغاني ١٥: ٣٨٤.
٢ الأغاني ١٥: ٣٨٣، ٣٨٤، وخزانة الأدب ٤: ١٩٤.
٣ الأغاني ١٥: ٣٨٠، وفحوله الشعراء، للأصمعي ص: ٣١، وخزانة الأدب ٤: ١٩٣.

<<  <   >  >>