أولادهم كان عماد معاشهم، إلا جماعات من المستوطنين امتلكت الضياع، واحترفت الزراعة. وعرضت لتنظيم العرب الاجتماعي والعسكري بخراسان، واستقام لي أنهم كانوا منظمين على أساس الأخماس، كما كان الشأن بالبصرة، فإن أكثر النازحين كانوا منها. وتكلمت على انقسام العرب بخراسان إلى مجموعتين هما: مجموعة الأزد وبكر وعبد القيس، ومجموعة تميم وقيس. ورجح عندي أن التحزب في جوهره يرجع إلى طغيان العصبية القبلية، واحتدام المنافسة السياسية، وأن الغاية منه كانت التسابق إلى المناصب الإدارية، والطمع في النفوذ والسلطان، والتصارع على المنافع المادية. وألممت بعلاقة العرب بالسكان المحليين، وصح عندي أنها كانت علاقة مودة وامتزاج، وإن استأثر العرب الفاتحون بمقاليد الحكم، وعجزوا عن إحداث إصلاحات في نظام الضرائب الذي كان مطبقا في العهد الفارسي، وقصروا عن إعادة بناء التركيب الاجتماعي الطبقي الموروث.
فلما فرغت من الإلمام بهذه المسائل الهامة التي كان لابد من بسطها، لكي أستظهر حياة العرب بخراسان من الناحية التاريخية والسياسية التي تتصل اتصالا وثيقا بحياة الشعر، بل التي تشرح الظروف والأجواء القبلية والحزبية والسياسية التي قيل فيها وعبر عنها، انتقلت إلى استقصاء موضوعات الشعر وخصائصه، فأفردت الفصل الثاني لها، ووجدت أن الشعراء استنفذوا أكثر ما نظموه في تصوير الأوضاع الداخلية، تصويرا يكشف عن العلاقات القبلية المتناقضة، والاتجاهات الحزبية المتعارضة، وما قامت عليه من التنافس الشديد في المراكز السياسية، والفوائد الاقتصادية. واستفرغوا شطرا كبيرا منه في تسجيل الغزوات الخارجية، تسجيلا اتضحت فيه النزعات القبلية والحزبية اتضاحا بينا، إذ ضخم شعراء الأزد وبكر وعبد القيس أعمال الولاة اليمنيين تضخيما ظاهرا، ليضاهوا بها أعمال الولاة القيسيين. ولم يتطرقوا للموضوعات التقليدية من مديح وهجاء وفخر ورثاء إلا قليلا، فإن ما نظموه فيها لا يساوي نصف ما نظموه في الموضوعين السابقين. وأهم ما يستخلص من أشعارهم فيها أن شعراء الأزد وبكر وعبد القيس تعصبوا في مدائحهم ومراثيهم للولاة اليمنيين، أحياء وأمواتا، وأنهم هاجموا في أهاجيهم الولاة القيسيين. ويستشف منها كذلك أن شعراء تميم وقيس نهضوا بالفخر نهضة رائعة فصلته عن