للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في آخر خلافة معاوية، وأول خلافة يزيد إلى البصرة، لم تبادر تميم إليهم، لأن سيدها الأحنف بين قيس رفض أن يسارع إليهم، ويتحالف معهم، لأنه كان يعتقد أنه إذا أتاهم أصبح قومه أذنابا لهم. فاستقبلهم مالك بن مسمع رئيس بكر، فتعاقدت الأزد وبكر، وأحيت القبيلتان ما كان بينهما من حلف في الجاهلية١. فآذن ذلك بتبدل الموقف بين القوتين المتنافستين في البصرة، فقد قويت بكر بانضمام الأزد إليها، وظلت قوة تميم على حالها.

وحدث أن مات يزيد بن معاوية سنة خمس وستين، وكان على العراق عبيد الله بن زياد، فدعا أهل البصرة إلى مبايعته، حتى ينجلي الأمر، ويختار الناس خليفة لهم، فبايعوه، ثم إنهم تمردوا عليه وخلعوه، فاستجار بمسعود بن عمرو زعيم الأزد، فأجاره ومنعه إلى حين، ثم خرج ابن زياد إلى الشام، واستخلف على البصرة مسعود بن عمرو الأزدي، فرفضته تميم وقيس، وأصرت القبيلتان على أن يتولى أمرهم رجل ترضاه الجماعة، ودخل مسعود دار الإمارة فثارت ثائرة بني تميم، فلما دخل المسجد هاجوا فقتلوه. فاجتمعت الأزد وعليها زياد بن عمرو العتكي وخرج إليها مالك بن مسمع في بكر، واجتمعت تميم إلى الأحنف بن قيس، ومالت قيس إليها، واقتتل الفريقان، وقتل منهم خلق كثير، فرأى الأحنف بن قيس أن يجعلوا بينهم كتاب الله، وأن يحكموا بينهم من يرتضونه جميعا، وأن تدفع تميم دية مسعود إن كان للأزد عليه بينة. فاصطلحوا وودت تميم مسعودا بعشر ديات٢.

وهكذا اتسعت شقة الخلاف بين هاتين المجموعتين المتزاحمتين من القبائل بالبصرة، وأصبحت الأزد وبكر وعبد القيس في جانب، وتميم وقيس في جانب آخر، وكان لما شجر بينهما من صدام أثره فيمن انتقل منهم إلى خراسان، إذ اتحدت هنالك قبائل كل مجموعة وتنافست، على نحو ما تكتلت في البصرة وتنابذت. حتى إذا توفي يزيد بن معاوية، واضطربت الأمصار، وبلغت وفاته العرب بخراسان، ثاروا، فاضطر سلم بن زياد إلى إعلانها وتوثيقها، ثم ناشدهم أن يطيعوه حتى يجتمع الناس على خليفة،


١ الطبري ٧: ٤٥٠.
٢ أنساب الأشراف ٤: ٩٧، ونقائض جرير والفرزدق ١: ١١١، ٢: ٧٤٠، والطبري ٧: ٤٦١.

<<  <   >  >>