للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من أسبابها أن نصر بن سيار تباطأ في دفع العطاء إلى مقاتلة الأزد وبكر، فهاجوا وتذمروا، فدفع لهم جزءا من أعطياتهم، ونهاهم عن الفوضى، ودعاهم إلى نبذ خلافاتهم، وذكرهم بأنهم أشبه بكتيبة متقدمة تقف على خط المواجهة الأمامي مع العدو، وأن أي شرخ في صفوفهم يفقدهم قوتهم وهيبتهم، ويطمع أعداءهم فيهم، فلم يستبن جديع بن علي الكرماني الرشد، بل أعمته الأحقاد الشخصية، وضللته العصبية القبلية١، فمضى يزاحم نصرا ومضر على الرئاسة. ثم إنه حالف الحارث بن سريج بعد أن عاد من بلاد الترك إلى مرو الشاهجان، وقاتلا نصرا، وسيطرا على المدينة. ففر نصر إلى نيسابور. وعلى الرغم من غاراته العديدة، واستغاثته المتكررة بابن هبيرة، ومروان بن محمد، ومناوراته الإعلامية الكثيرة، فإنه لم يستطع حصر الأزمة، وحل المعضلة. فقد تدهور الموقف تدهورا شديدا، وبعد قتل الكرماني للحارث، واغتيال ابن الحارث له، وانتهاز أبي مسلم للوضع، وسعيه للاستيلاء على المدينة. ومع أن العرب التفتوا إلى خطره الداهم، ووادع بعضهم بعضا، من أجل التصدي له والقضاء عليه، فإنه أوقع في روع ابن الكرماني أن نصرا تآمر على أبيه وقتله، فرجع إلى معاداة نصر ومحاربته. وبذلك تمكن أبو مسلم من احتلال المدينة، وباحتلاله لها انهارت الدولة الأموية، وقامت الدولة العباسية٢.

وبجانب الوقائع الحربية التي دارت بين قبائل الجانبين الساعيين إلى الزعامة، والمتسابقين إلى السلطة بخراسان، مظاهر أخرى للعصبية القبلية السياسية، لم يشهر فيها السيف، وهي تتضح في أن كلا منهما كان حينما تسند إليه الولاية يملأ المراكز الكبيرة بالموظفين من إخوانه وأبنائه، وأقربائه، وحلفائه، ويحرم الطرف الثاني المعارض منها، ويظلمه ظلما شديدا، ويعنف به عنفا زائدا.

فعندما ولي المهلب بن أبي صفرة خراسان، ووليها أبناؤه من بعده كانت الوظائف الهامة بأيديهم٣. وليس أدل على استبداد المهالبة والأزد بالمناصب والمنافع من قول يزيد بن المهلب للأزد، وقد عين على خراسان بعد مقتل قتيبة بن مسلم، وانتخاب


١ الاشتقاق ص: ٥٠٣، وجمهرة أنساب العرب ص: ٣٨١.
٢ الطبري ٩: ١٨٥٥، وما بعدها وابن الأثير ٥: ٣٠٧، وما بعدها.
٣ الطبري ٨: ١٠٤٧، وابن الأثير ٤: ٥١١.

<<  <   >  >>