للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قيس وتميم كان عصبيا سياسيا. فقد كان البكريون يريدون الانفراد بالسلطان، والسيطرة على خراسان، في حين كان ابن خازم والتميميون يبتغون الاستئثار بالحكم من دونهم.

وسقناها لكي نبين أن الخلاف كان إلى هذا التاريخ بين ربيعة ممثلة في بكر، وبين قيس وتميم، الأولى ممثلة في سليم، والثانية في تميم. أما الأزد فلم ينحازوا إلى بكر، ولم يشتركوا في القتال، لأنه لم يكن لهم قوة كبيرة مؤثرة، ولذلك فضل زعيمهم المهلب بن أبي صفرة السلامة، فنزل عن خراسان وعاد إلى البصرة.

وتستقر الأوضاع بخراسان، ولا تشتبك القبائل العربية في معارك عنيفة إلا بعد أربعين عاما. ولكن ميزان القوى اختلف هذه المرة اختلافا كبيرا، فقد تكاثر الأزد بخراسان، بعد ولاية المهلب بن أبي صفرة، وولاية ولديه يزيد والمهلب من بعده، ومالوا بثقلهم إلى بكر، لما كان يجمع بينهم وبينها من تحالف في البصرة، فأصبح الصراع بين الأزد وبكر من جهة، وبين قيس وتميم من جهة ثانية.

ففي سنة ست ومائة كانت وقعة البروقان بين اليمنية والربعية، وبين المضرية، وذلك أن الأزد وبكر ثاروا ببللخ، وتأخروا عن اللحاق بمسلم بن سعيد بن زرعة الكلابي أمير خراسان، وقد قطع النهر على رأس حملة إلى فرغانة، متذرعين في الظاهر بأنه لم يدفع لهم أعطياتهم، ومضمرين في الحقيقة التمرد والعصيان. فوجه إليهم نصر بن سيار، فأجرى عليهم رواتبهم. وأمرهم بالسير إلى أميرهم. فرفضوا، حينئذ دارت معركة حامية بينه وبينهم، انتهت بهزيمتهم هزيمة نكراء١.

وتهدأ الأحوال بخراسان ثانية، ولا تجدد الحرب فيها إلا بعد عشرين عاما، ولم تنحصر أطراف الأزمة في عناصرها التقليدية من اليمن وربيعة ومضر، بل انضاف إليها، واندس بينها طرف ثالث جديد، وهو أبو مسلم الخراساني، الذي استغل تناحر العرب وضعفهم، وعمل في توسيع الخلاف بينهم، واستطاع في النهاية أن يطيح بآخر ولاة بني أمية على خراسان.

ففي سنة ست وعشرين ومائة ثارت الفتنة بمرو بين الأزد وبكر، وبين مضر، وكان


١ الطبري ٩: ١٤٧٢، وابن الأثير ٥: ١٢٧.

<<  <   >  >>