للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكان لما حاق ببني تميم من الهزائم المتلاحقة أثر بالغ في نفوس أبنائهم وشعرائهم، فأخذوا يتلاومون، وجعل كل فريق يلقي التبعة على الفريق الآخر، كما مر بنا في أبيات الحريش السابقة، وكما يتضح من هذين البيتين لأحد شعرائهم، وهو يشيد فيها بالحريش وبطولته وغنائه في القتال، ويرمي غيره بالتقاعس والانهزام، ويردد أنهم لو صبروا صبره لما قدر ابن خازم عليهم،، ولما استطاع البطش بهم، بل لتغلبوا عليه، وأذاقوه مر الهزيمة، وشر الانكسار١.

فلو كنتم مثل الحريش صبرتم ... وكنتم بقصر الملح خير فوارس

إذا لسقيتم بالعوالي ابن خازم ... سجال دم يورثن طول وساوس٢

ومع كل ما لحق بني تميم من الكرب بهراة حتى تقهقروا عنها واستبد ابن خازم بها، وتشتتوا في مدن خراسان، ومع كل ما حل بهم من التفرق والتمزق بمرو الروذ حتى سيطر ابن خازم عليها، وفتك بهم فتكا ذريعا فيها، فقد بقيت منهم بقية بنيسابور كان بحير بن ورقاء على رأسها، فأشعلت هناك ثورة على ابن خازم سنة اثنتين وسبعين، فأسرع إليها، وأناب على مرو الروذ بكير بن وشاح التميم. وبينما كان يحارب بحيرا طلب إليه عبد الملك بن مروان أن يبايع له على أن يفوض إليه حكم خراسان سبع سنين، فأنف من قبول هذا العرض، فكاد عبد الملك له، وكتب إلى ابن وشاح أن ينضوي تحت لوائه، ويدخل في طاعته على أن يوليه على خراسان، فوافق ابن وشاح على ذلك. وهنا ضعف مركز ابن خازم، فقرر التوجه إلى الترمذ، والانضمام إلى ابنه موسى بها، فاتبعه ابن ورقاء وقتله أحد الموالي الذين كانوا معه، وهو وكيع بن الدورقية الخوزستاني، وكان ابن خازم قتل أخاه لأمه من قبل. فقال وكيع يذكر صرعه لابن خازم، وأخذه بثأره منه٣:


١ الطبري ٧: ٥٩٧.
٢ السجال: جمع سجل وهي الدلو الضخمة المملوءة ماء، وجعلها هنا مملوءة دما.
٣ فتوح البلدان ص: ٤٠٦.

<<  <   >  >>