عرفنا أن مذهب الجهمية والمعتزلة القول بأن القرآن مخلوق، وقول الماتريدية والأشاعرة وإن لم يفصحوا به إلا أن كلامهم يؤول إليه، فكلامهم يؤول إلى القول بخلق القرآن، فهم يرون أن الكلام النفسي هو وصف معنوي، الكلام النفسي، وأما الكلام اللفظي فهذا عندهم إيش؟ نعم؟ عبارة أو حكاية، وهذا الكلام الملفوظ به واحد، عندهم لا يتغير، لكن إن عُبر عنه بالعربية صار قرآناً، وإن عبر عنه بالسريانية صار إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعبرانية صار توراة، هذا كلامهم، ومقتضى هذا أن كل ما يوجد في القرآن يوجد في التوراة والإنجيل إلا أن اللغات تختلف، فعلى هذا لو ترجمت التوراة إلى العربية صارت مصحف مثل ما بأيدينا، والعكس لو ترجم القرآن إلى العبرانية أو السريانية صار توراة أو إنجيلاً، وهذا الكلام لا يمكن أن يوافق عليه عاقل، فحقيقة ما في الكتابين، أو ما في الكتب الثلاثة تختلف، فهل في التوراة والإنجيل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(١) سورة الإخلاص] باللغات الأخرى أو سورة تبت مثلاً، أو آيات نزلت لوقائع حصلت لهذه الأمة، لأناس بأعيانهم حصلت لهم هذه الوقائع، نزل بسببها القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [(١) سورة التحريم] يعني هل نقول: لو ترجمناها بالسريانية نجدها موجودة في التوراة أو الإنجيل؟ هل يقول بهذا أحد؟ ما يمكن أن يقول بهذا أحد، لكن هي اللوازم، هي لوازم المذاهب، وإذا التزم القائل بالقول بلوازمه الباطلة من باب تعصب للرأي، وأخذ العزة بالإثم يقع في مثل هذه الأمور، ولذا وقعوا في أشياء لا يمكن أن تصدر ولا عن مجنون، لكنهم لما ألزموا يلزم على كلامك كذا، قال: ويش المانع؟ وإلا فما معنى تقرير الأشعرية في كتبهم، ويكتبون بأيديهم وليس من باب الإلزام هم التزموا، ثم قرروا وكتبوا، عندهم أن الأعمى وهو بالصين يرى بقة الأندلس، يجوز أن يرى الأعمى وهو بالصين بقة الأندلس وهو صغار البعوض، يعني ما هو بتقول عليهم أبداً، هذا كلامهم بأقلامهم كتبوها؛ لماذا؟ قالوا: لأن الأسباب لا أثر لها، وجودها مثل عدمها، فالبصر سبب للإبصار، والإبصار يحصل عنده لا به، فإذا كان مجرد سبب، والسبب لا أثر له عندهم، لا