يعني مفاد الكلام أن البيت الأول الذي فيه التشبيه تشبيه الرؤية بالرؤية قد يخيل للإنسان أن فيه ضرب من تشبيه الخالق بالمخلوق، قد يتوهم السامع هذا الكلام، فأراد أن ينفي التشبيه من وجه آخر في الولدية والوالدية، ليس بمولود وليس بوالد، كما هو شأن الخلق، فإذا خالف الخلق في هذا أنه ليس بمولود وليس بوالد خالفهم في بقية الصفات، هذا لا شك أن فيه وجه شبه، لكن لو جيء بغير هذا المنفي يكون نفس الكلام الذي نقوله.
البيت الأول في إثبات صفة الرؤية، وتشبيه الرؤية بالرؤية، يعني التمثيل، التمثيل لرؤية الباري برؤية القمر تمثيل للرؤية بالرؤية، يعني أراد أن يقرر أنه لا وجه شبه بين المخلوق والخالق بنفي أخص ما للمخلوق من صفات وهي منفية عن الله -جل وعلا-، وهي كونه والد أو مولود، إذ لا ينفك عن ذلك أحد من المخلوقين؛ لأن بقية الصفات قد لا توجد في بعض الناس، نعم بقية الصفات قد لا توجد، لكن صفة يشترك فيها الناس كلهم إما والد وإما مولود، والله -جل وعلا- ليس بمولود وليس بوالد، فإذا انتفت هذه الصفة في جميع الناس فلأن ينتفي الصفات التي لا يشترك فيها جميع الناس من باب أولى، وهذا لا يسلم بعد من شيء من التكلف، وعلى كل حال البيت هكذا وجد.
وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبحُ
لأنه لما ذكر تشبيه رؤية الباري برؤية القمر أراد أن ينفي التشبيه، وأنه ليس الشبه أو التشبيه للمرئي بالمرئي، لا "وليس له شبه تعالى المسبحُ" والله -جل وعلا- لا يشبهه القمر، تعالى وتعظم وتقدس المسبح المنزه عن كل عيب ونقص بخلاف المخلوق، والتسبيح له شأن في الشرع، ومن الباقيات الصالحات سبحان الله، ومن قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر، وعلى كل حال التسبيح جاء الحث عليه كبقية الأذكار والجمل الأربع المعروفة، لكن التسبيح معناه التنزيه لله -جل وعلا- عن جميع ما لا يليق به.