هذه المنظومة ناظمها ابن أبي داود صاحب السنن، أبوه أبو داود صاحب السنن، وذُكر من إنصاف المحدثين .. ، يذكر من إنصاف المحدثين أن أبا داود رمى ابنه بالكذب، وأن الإمام علي بن المديني ضعف أباه، هذا مما يذكر في إنصاف المحدثين، والإمام أبي بكر بن أبي داود، أما بالنسبة للكذب في الحديث فهو منه بريء، وأقوال الأئمة وتوثقيهم وتعديلهم له، وإمامته وعلمه وورعه كل هذا يرد هذه التهمة، ولا يمكن أن ينصرف قول أبي داود إن صح عنه في ولده إلى هذا، أما كونه يحمل على أنه بلى عليه الكذب مرة أو مرتين في كلامه العادي فمثل هذا أظن أنه لا يسلم منه أحد.
والكذب عند أهل السنة يشمل الخطأ، يشمل الوهم، إذا خالف الكلام الواقع سمي كذباً، ولا يلزم أن يكون مع العمد، هذا على مذهب أهل السنة والجماعة، واشترط المعتزلة في الكذب أن يكون عن عمد، ولو كان الكذب وحقيقته تحتاج إلى قيد العمد لما جاء مقيداً به في حديث من كذب:((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) مفهومه أنه يوجد كذب لا عن عمد، المقصود أنه يسمى كذب في العرف الشرعي، وعند أهل السنة والجماعة، المعتزلة أثبتوا الواسطة كذب لكنه لا عن عمد، ومنهم من يثبت كلام ليس بكذب ولا صدق، إن صح ما نقل عن أبي داود في ابنه يحمل على هذا، أنه بلى عليه مخالفة الواقع في حديثه العادي، وقد يكون عن غير قصد، ولا بد أن يقع من الإنسان شيء من التعريض يحتاج إليه، أو شيء في الأمور اليسيرة، أو في الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر هل هي من الكذب المباح للحاجة إليه وترتب المصلحة أو لا؟ فمثل هذا يدرأ عنه هذه التهمة، وإلا فهو إمام محقق مصنف على طريقة السلف الصالح ومحدث، وله أسانيد، وسمع الحديث صغيراً، وهو مولود سنة (٢٣٠هـ) وتوفي سنة (٣١٦هـ) في طبقة يعني هو تأخر عن النسائي قليلة، في طبقة ابن خزيمة والطبري ونظرائهم.
هذه المنظومة منظومة نافعة ماتعة، مثل ما ذكرنا محل عناية ومحط اهتمام أهل العلم، وطبعت قديماً.