وقال أبو أحمد بن عدي: ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور، واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فلما حضر المجلس قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري، ولم يجبه ثلاثاً، فألح عليه، فقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، فشغب الرجل، وقال: قد قال: لفظي بالقرآن مخلوق.
إلزام، ما دام قال: أفعالنا مخلوقة، يعني كما نطق بذلك القرآن {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(٩٦) سورة الصافات] فأفعال العباد مخلوقة، وللإمام البخاري مصنف في هذا (خلق أفعال العباد) لكن ألزموه بأنه ما دام يقول هذا الكلام فلا بد أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، هو ما قال هذا، وهذا اللفظ المجمل لا يقوله البخاري ولا غيره، مسألة اللفظ؛ لأن اللفظ يطلق ويراد به الملفوظ، ويطلق ويراد به التلفظ، نعم.
وقال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن أبي الهيثم حدثنا الفربري قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن أفعال العباد مخلوقة، فقد حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا أبو مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن الله يصنع كل صانع وصنعته)).
قال البخاري: وسمعت عبيد الله بن سعيد يعني أبا قدامة السرخسي يقول: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة.
قال محمد بن إسماعيل: حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المبين المثبت في المصاحف، الموعى في القلوب، فهو كلام الله غير بمخلوق، قال الله تعالى:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(٤٩) سورة العنكبوت].