قال: وقال إسحاق بن راهويه: أما الأوعية فمن يشك أنها مخلوقة؟ وقال أبو حامد بن الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ولا يجالس ولا يكلم، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه.
لأن هؤلاء الذين نقلوا له ما فهموه من كلام البخاري، سواء كان عن قصد أو غير قصد، هم فهموا من كلام البخاري أنه يقول: أفعالنا مخلوقة، رووا هذا بالمعنى وقالوا: إنه يقول: لفظنا بالقرآن مخلوق، لفظه مخلوق، وأما مسألة لفظي بالقرآن مخلوق هذه بدعة شنيعة؛ لأنها تحتمل فالتلفظ، وتحتمل الملفوظ، فنقلوا له ما فهموا، نقلوا له -نقلوا للذهلي- ما فهموه، وبعضهم حرف كلامه إلى ما يرد؛ ليوقع بين علماء المسلمين، نعم.
وقال الحاكم: ولما وقع بين البخاري وبين الذهلي في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة.
قال الذهلي: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته، وقام على رؤوس الناس، فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر جمّال، قلت: وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا.
وقال الحاكم أبو عبد الله: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول: دخلت على البخاري فقلت: يا أبا عبد الله إن هذا رجل مقبول بخراسان خصوصاً في هذه المدينة، وقد لج في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه، فما ترى؟ قال: فقبض على لحيته، ثم قال:{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [(٤٤) سورة غافر] اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً، ولا طلباً للرياسة، وإنما أبت علي نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني الله لا غير، ثم قال لي: يا أحمد إني خارج غداً لتخلصوا من حديثه لأجلي.