عكس الخارجي، الخارجي حمل أمره على العزيمة وعلى الشدة، وبالغ في هذا حتى خرج إلى جهة مغايرة لجهة المرجئة، وكل من الخروج والإرجاء من أعظم مطامع الشيطان، فالغلو .. ، الشيطان يتحسس الشخص يراوده على ترك الصلاة ما يرضى، يراوده على الكفر الصريح ما يرضى، لكن قد يقول له: لكي تضمن لنفسك القدر الكافي زد، الإنسان ما زال يتقرب بالنوافل زيادة على الفرائض لكي يضمن بقاء الفرائض؛ لأنك لا بد أن تحتاط، هذا يقول له: زد على ما شرعه الله لكي تضمن ما شرعه الله لك، لكن الزيادة ابتداع في الدين، وإحداث أمر ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يستطع أن يجره إلى الوراء دفعه إلى الأمام، وكلاهما مذموم، لا مذهب الخوارج، ولا مذهب الإرجاء، وكلاهما خطر عظيم على دين الإنسان، فالخوارج كفرهم جمع من أهل العلم، والمرجئة متفاوتون، فمنهم المرجئة الذين يقتصرون من الإيمان على المعرفة فقط، ولا يلزم نطق، ولا يلزم عمل، ولا يلزم شيء، مجرد ما يعرف مؤمن كامل الإيمان، وهؤلاء الغلاة الجهمية وهؤلاء الذين يقولون: إن إيمان أفسق الناس مثل إيمان جبريل، لا يحتاج إلى نطق، ولا يحتاج إلى عمل، يكفي المعرفة، وعلى مذهبهم إبليس مؤمن، وفرعون مؤمن، وألفوا وكتبوا في إيمان فرعون، هؤلاء الغلاة، منهم -وهم أخف- من يرى أن المعاصي لها أثر، وهي محرمة، وعليها ذنوب، لكن العمل ليس من مسمى الإيمان، فقد يكون المسلم كامل الإيمان وهو ما يعمل أي عمل، وكامل الإيمان، وقد يفعل المحرمات وهو كامل الإيمان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن)) وهؤلاء يقولون: لا، كامل الإيمان، وإيمانه مثل إيمان جبريل، هؤلاء مرجئة، غلاة، ويزعمون أنه كامل الإيمان.