للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا جاء في الحديث عن النبي: "ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها" (١) .

وهذا أمر يجده في نفسه من نظر في حاله من العلماء والعباد والأمراء والعامة وغيرهم.

ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع وحذرت منها؛ لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافاً - لا عليه ولا له - لكان الأمر خفيفا، بل لابد أن توجب له فساداً في قلبه ودينه من نقص منفعة الشريعة في حقه؛ إذا القلب لا يتسع للعوض والمعوض عنه ... " (٢) .

وعند مثل هذا الموضوع يلتقي مفهوم العبادة الشامل مع مفهوم زيادة الإيمان ونقصانه، وهنا أصلان من أصول التصور السلفي المنسجم تماماً مع حقيقة النفس الإنسانية كما تقرر.

ونستطيع الآن - مع وضوح هذه الحقائق - أن نضيف إلى القضية السابقة - وهي:

كل إنسان مفكر، وكل مفكر عامل - عنصرا ثالثا تكتمل به القضية وهو: " وكل عامل عابد ".

لنخلص إلى المفهوم السلفي الواضح عن ارتباط الحقيقة البشرية المتمثلة في طبيعة النفس الإنسانية كما خلقها الله، بالحقيقة الشرعية المتمثلة في خضوع الإنسان بكل جوانبه النفسية والعملية لعبودية الله وحده.

وكون كل عامل عابداً - أي كل إنسان عابد - مع بداهتها - ليست موضع تسليم من التصور الإرجائي الذي لا يخلو من جهل بالحق أو إعراض عنه

بل هي قضية غريبة، وأكثر ما تبدو غرابتها في عصرنا الحاضر - عصر الإلحاد والتمرد على الأديان بالجملة والتفلت من العبوديات كلها - كما يتوهمه أكثر أهله! - فهناك دول كثيرة تنص دساتيرها بصراحة أنها "دول لا دينية"، وبعضها ألغى خانة "الدين" من البطاقة الشخصية لمواطنيها. وأكثر هؤلاء المواطنين - لا سيما في أوربا وأمريكا فضلا عن الدول الشيوعية - لو سألت أيا منهم ماذا تعبد؟ لأجابك بداهة أنه لا يعبد شيئا لأنه إنسان "لا ديني"!


(١) رواه الإمام أحمد
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم، ص ٢١٧

<<  <   >  >>