إن من ميزات هذا الدين الكبرى أنه نزل بالحق والعدل الذي قامت عليه السماوات والأرض «أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»[الفرقان: ٦] ، وكلما ازداد البشر نظرا في الآيات الآفاقية والنفسية والقرآنية أبصروا من شواهد التطابق العجيب والتوافق الدقيق ما ينطق بأن هذا الدين هو الحق، وأن فاطر النظام الكوني ومنزل الوحي الديني واحد لا شريك له.
فالنظر السليم لا يرى في خلق الرحمن من تفاوت ولا يرى في وحي الرحمن من اختلاف، لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
والنفس الإنسانية هي موضوع الوحي " كتابا وسنة " والمخاطب به. فما نزلت الكتب وأرسلت الرسل إلا لهذا الإنسان - الذي لم يكن شيئا مذكورا - بيانا لغاية خلقه وحكمة وجوده وتزكية لنفسه، وهداية إلى طريق الحق والصلاح، وتحذيرا من سبل الضلال والفساد، وتعريفا له بصفات معبوده تعالى - الذي معرفته أشرف أنواع العلوم والمعارف وأعظمها أثرا في صلاح الإنسان - وإخبارا له بمصيره إن أطاع أو عصى.
فالدين دين الله والنفس خلق الله، والله تعالى أحكم الحاكمين وهو الغني الحميد، فلهذا لم يشرع لها من الدين إلا ما يتفق وطبعها ويتناسق وحقيقتها ويملأ كل جوانبها ويشبع كل رغباتها، لكن في حدود مقدرة وضوابط مقررة تحفظ لهذا الإنسان سعادته وتكفل صلاحه، ولا يعود ضرر تجاوزها إلا عليه وحده، قال تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ