وإذا كانت هذه الحركة لا تكتفي بالبيان في وجه السلطان المادي، فكيف يتصور بحال من الأحوال أن تكون نظرية حبيسة داخل عقول أصحابها ويكونون مع ذلك مؤمنين بها حقاً؟!
* السمة الثانية: في منهج هذا الدين هي الواقعية الحركية.
فهو حركة ذات مراحل، كل مرحلة لها وسائل متكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية، وكل مرحلة تسلم المرحلة التي تليها، فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة، كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة ... ".
فهو ليس حركة وعملاً وحسب بل حركة دائبة وعمل متجدد ...
"والسمة الثالثة: هي أن هذه الحركة الدائبة والوسائل المتجددة لا تخرج هذا الدين عن قواعده المحددة، ولا عن أهدافه المرسومة.
فهو منذ اليوم الأول - سواء وهو يخاطب العشيرة الأقربين، أو يخاطب قريشاً، أو يخاطب العرب أجمعين، أو يخاطب العالمين - إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة، ويطلب منهم الانتهاء إلى هدف واحد وهو إخلاص العبودية لله والخروج من العبودية للعباد ... لا مساومة في هذه القاعدة ولا لين، ثم يمضي إلى تحقيق هذا الهدف الواحد في خطة مرسومة ذات مراحل محددة، لكل مرحلة وسائلها المتجددة، على نحو ما أسلفناه في الفترة السابقة" (١) .
إن الجهاد من حيث هو قمة العمل في الإسلام "وذروة سنامه" ليكشف لنا بصدق وواقعية عن طبيعة هذا الدين، ومهمته في الأرض، وأهدافه العليا التي أراد الله تحقيقها في عالم الثقلين، ولقد سبق أن ألمحنا بإيجاز عن حالة العالم الإنساني في فجر الرسالة، وأشرنا إلى العبودية التي كانت البشرية تمارسها للطواغيت والأهواء والأحبار والرهبان، وهذا ما
(١) الظلال، الأنفال، ص١٤٣٢- ١٤٣٣، ويلاحظ أن المؤلف رحمه الله ذكر هذه السمات عقب نقله عن ابن القيم رحمه الله مراحل الجهاد.