إن الدارس لتاريخ الفكر الإسلامي عامة يجد أن أكبر غريبة وفدت عليه وامتزجت به وتركت فيه أبلغ الأثر - شكلا ومضمونا - هي ظاهرة الغزو الفلسفي الإغريقي!!
حقا إن أكبر حرب نفسية وفكرية أثيرت على الإسلام هي الغزو الفكري الحديث، الذي وفد مع الحملات الصليبية المسماة " الاستعمار ".
غير أن هذا الغزو - وإن كان لا مبرر لقبوله على الإطلاق - له تفسير معقول، وهو التفاوت الكبير في مستوى التقدم الحضاري بين الأمتين المتصارعتين.
فأمة تعاني من ضعف مزمن في كل مجالات الحياة ليس غريبا أن تخضع لغزو أمة قوية قاهرة حققت - وفق سنة الله الكونية - من الكشوفات والصناعات ما لم يكن الخيال البشري يحلم به من قبل.
أما الظاهرة المستعصية على العقل، الغريبة في تاريخ الإنسانية، فهي أن تتقبل أمة حية قوية تملك مصدرا مستقلا للمعرفة والثقافة غزوا فكريا من أمة بائدة.
ويكون الأمر أكثر استعصاء وغرابة إذا كانت الأمة المتقبلة للغزو هي أمة الوحي النقي والتوحيد الخالص، اللذين فتحت بهما قلوب الأمم، وحطمت طواغيت العالم، وبلغت من الاستعلاء بالحق ما لم تبلغه أمة قط ومع ذلك تتقبل الغزو من تراث مندثر لأمة مشركة منقرضة!!
ولست في معرض الحديث عن أسباب تقبل هذا الغزو المدمر، لكنني لا أرى بدا من التعرض لذكر سببين رئيسين له - إن لم يكونا السببين الرئيسين - وهما: