لا شك أن البذور والبدايات الأولى للإرجاء وجدت بعد صفين، إما من المعادين للخوارج أو من المنشقين عنهم، كالشأن فى ردود الأفعال، ولكن بروز الرأى والمجادلة فيه وبه تأخرت عن ذلك، وكان ظهورها فى وقت الفتنة والاضطراب الكبير الذى عم البلاد، حين كان للأمويين دولة، ولابن الزبير دولة، وللخوارج دولة - كما سبق في حديث أبى برزة الأسلمى -.
برز الإرجاء حينئذ نتيجة المجادلات المستمرة بين الفرق - لا سيما بين الخوارج وغيرهم - وكانت الفتنة من أسباب التسرع فى الرد وقدح الرأى؛ إذ لم يكن المجال ميسورا للسؤال والتأكد والأمور هائجة والأحداث متلاحقة.
وكان هذا فى أواخر عصر الصحابة؛ وقد كان بعض قدماء المرجئة من صغار التابعين - كما سيأتى فى تراجمهم -.
وأوثق نص ورد فيه هذا الاصطلاح هو الجامع الصحيح للإمام البخارى، فقد قال رحمه الله فى كتاب الإيمان منه:" باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ".
وقال إبراهيم التيمى: ما عرضت قولى على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا.
وقال ابن أبى مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول أنه على إيمان جبريل وميكائيل.
ويذكر عن الحسن: وما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق.
وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة؛ لقول الله تعالى «ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون» .