وأمثال هذا كثير في لغة العرب، فيعطف الخاص على العام للاهتمام به، وتنبيه المخاطب إلى شرفه أو عدم إغفاله.
٢- إن أعمال الجوارح في الأصل ليست من الإيمان، بل الإيمان أصله ما في القلب، والأعمال هي من لوازمه التي تنفك عنه بحال، لكن جاء الشرع فأدخلها فيه، وأصبح اسم الإيمان شاملا" لها على الحقيقة شرعا" فكثر في كلامه عطفها عليه توكيدا" لذلك لكيلا يظن ظان أن الإيمان المطلوب هو ما في القلب فقط، بل يعلم أن لازمه - العمل - ضروري كضرورته، فها هو ذا قد أدخل في اسمه وحقيقته في مواضع الانفراد وقرن بحكمه في مواضع العطف.
وبمراجعة ما سبق قوله عن الحقيقة المركبة يتضح هذا جليا" بإذن الله، فإن الشيء المركب من جزأين لا يمتنع عطف أحدهما على الآخر، وإن كان أحدهما إذا أطلق يشملهما اسمه معا" لا سيما وأن المعطوف عليه هو الأصل الذي أطلق شمل العمل، والمعطوف فرع ولازم له.
فيأتي العطف لبيان وجوب وجودها مجتمعة، إذ انتفاء أحد جزئيها انتفاء لذات الحقيقة كما سبق إيضاحه.
ومن هنا يظهر سر تكرار ذلك العطف في القرآن والله أعلم، فإنه مطابق لإجماع السلف أن الإيمان قول وعمل - أي اعتقاد وانقياد - كما سبق وهو المطابق للأحاديث التي سبق إيرادها في مبحث الحقيقة المركبة، ولا سيما حديث جبريل الذي فسر النبي صلى الله عليه وسلم فيه الإسلام، وفسر الإيمان بالجزء الباطن.
ومعلوم قطعا أن أحدهما لا يغنى عن الآخر منفردا"، بل منهما معا" تتكون حقيقة واحدة هي الدين كما جاء في آخره: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
وإن كان - الإيمان - أعلى درجة ومرتبة من الإسلام، باعتبار أنه الأصل، كما أن الإحسان أعلى منه، لكن اسمه المطلق يشملهما، والإسلام الذي هو أدنى منه لا يصح إلا به أو بجزء منه.