الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنْ يَنْظُرَ فِي الْعِلَّةِ، هَلْ هي مما يمكن علاجها أولا؟ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ عِلَاجُهَا، حَفِظَ صِنَاعَتَهُ وَحُرْمَتَهُ، وَلَا يَحْمِلُهُ الطَّمَعُ عَلَى عِلَاجٍ لَا يُفِيدُ شَيْئًا.
وَإِنْ أَمْكَنَ عِلَاجُهَا، نَظَرَ هَلْ يُمْكِنُ زَوَالُهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهَا، نَظَرَ هَلْ يُمْكِنُ تَخْفِيفُهَا وَتَقْلِيلُهَا أم لا؟ فإن لم يمكن تَقْلِيلُهَا، وَرَأَى أَنَّ غَايَةَ الْإِمْكَانِ إِيقَافُهَا وَقَطْعُ زِيَادَتِهَا، قَصَدَ بِالْعِلَاجِ ذَلِكَ، وَأَعَانَ الْقُوَّةَ، وَأَضْعَفَ الْمَادَّةَ.
السَّادِسَ عَشَرَ: أَلَّا يَتَعَرَّضَ لِلْخَلْطِ قَبْلَ نُضْجِهِ بِاسْتِفْرَاغٍ، بَلْ يَقْصِدُ إِنْضَاجَهُ، فَإِذَا تَمَّ نُضْجُهُ، بَادَرَ إِلَى اسْتِفْرَاغِهِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ لَهُ خِبْرَةٌ بِاعْتِلَالِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَأَدْوِيَتِهَا، وَذَلِكَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي عِلَاجِ الْأَبْدَانِ، فَإِنَّ انْفِعَالَ الْبَدَنِ وَطَبِيعَتَهُ عَنِ النَّفْسِ وَالْقَلْبِ أَمْرٌ مَشْهُودٌ، وَالطَّبِيبُ إِذَا كَانَ عَارِفًا بِأَمْرَاضِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَعِلَاجِهِمَا، كَانَ هُوَ الطَّبِيبَ الْكَامِلَ، وَالَّذِي لَا خِبْرَةَ لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَاذِقًا فِي عِلَاجِ الطَّبِيعَةِ وَأَحْوَالِ الْبَدَنِ نِصْفُ طَبِيبٍ. وَكُلُّ طَبِيبٍ لَا يُدَاوِي الْعَلِيلَ، بِتَفَقُّدِ قَلْبِهِ وَصَلَاحِهِ، وَتَقْوِيَةِ رُوحِهِ وَقُوَاهُ بِالصَّدَقَةِ، وَفِعْلِ الْخَيْرِ، وَالْإِحْسَانِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَلَيْسَ بِطَبِيبٍ، بَلْ مُتَطَبِّبٌ قَاصِرٌ. وَمِنْ أَعْظَمِ عِلَاجَاتِ الْمَرَضِ فِعْلُ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانُ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ، وَالتَّضَرُّعُ وَالِابْتِهَالُ إِلَى اللَّهِ، وَالتَّوْبَةُ، وَلِهَذِهِ الْأُمُورِ تَأْثِيرٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ، وَحُصُولِ الشِّفَاءِ أَعْظَمُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَلَكِنْ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ النَّفْسِ وَقَبُولِهَا وَعَقِيدَتِهَا فِي ذَلِكَ وَنَفْعِهِ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: التَّلَطُّفُ بِالْمَرِيضِ، وَالرِّفْقُ بِهِ، كَالتَّلَطُّفِ بِالصَّبِيِّ.
التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَنْوَاعَ الْعِلَاجَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، وَالْعِلَاجَ بِالتَّخْيِيلِ، فَإِنَّ لِحُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ فِي التَّخْيِيلِ أُمُورًا عَجِيبَةً لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الدَّوَاءُ، فَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ يَسْتَعِينُ عَلَى الْمَرَضِ بِكُلِّ مُعِينٍ.
الْعِشْرُونَ: - وَهُوَ مِلَاكُ أَمْرِ الطَّبِيبِ-، أَنْ يَجْعَلَ عِلَاجَهُ وَتَدْبِيرَهُ دَائِرًا عَلَى سِتَّةِ أَرْكَانٍ: حِفْظُ الصِّحَّةِ الْمَوْجُودَةِ، وَرَدُّ الصِّحَّةِ الْمَفْقُودَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِزَالَةُ الْعِلَّةِ أَوْ تَقْلِيلُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَاحْتِمَالُ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِإِزَالَةِ أَعْظَمِهِمَا، وَتَفْوِيتُ أَدْنَى الْمَصْلَحَتَيْنِ لِتَحْصِيلِ أَعْظَمِهِمَا، فَعَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ السِّتَّةِ مَدَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute