للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ظَهَرَتْ مُنَاسَبَةُ الْغَسْلِ، فَمَا مُنَاسَبَةُ صَبِّ ذَلِكَ الْمَاءِ عَلَى الْمَعِينِ؟

قِيلَ: هُوَ فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ ماء طفىء بِهِ تِلْكَ النَّارِيَّةُ، وَأَبْطَلَ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الْفَاعِلِ، فَكَمَا طُفِئَتْ بِهِ النَّارِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِالْفَاعِلِ طُفِئَتْ بِهِ، وَأُبْطِلَتْ عَنِ الْمَحَلِّ الْمُتَأَثِّرِ بَعْدَ مُلَابَسَتِهِ لِلْمُؤَثِّرِ الْعَائِنِ، وَالْمَاءُ الَّذِي يُطْفَأُ بِهِ الْحَدِيدُ يَدْخُلُ فِي أَدْوِيَةٍ عِدَّةٍ طَبِيعِيَّةٍ ذكرها الأطباء، فهذا الذي؟ طفىء بِهِ نَارِيَّةُ الْعَائِنِ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَدْخُلَ فِي دَوَاءٍ يُنَاسِبُ هَذَا الدَّاءَ وَبِالْجُمْلَةِ فَطِبُّ الطَّبَائِعِيَّةِ وَعِلَاجُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِلَاجِ النَّبَوِيِّ، كَطِبِّ الطُّرُقِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّهِمْ، بَلْ أَقَلُّ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمُ، وَأَعْظَمُ مِنَ التَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطُّرُقِيَّةِ بِمَا لَا يُدْرِكُ الْإِنْسَانُ مِقْدَارَهُ، فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ عَقْدُ الْإِخَاءِ الَّذِي بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالشَّرْعِ وَعَدَمُ مُنَاقَضَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى الصَّوَابِ، وَيَفْتَحُ لِمَنْ أَدَامَ قَرْعَ بَابِ التَّوْفِيقِ مِنْهُ كُلَّ بَابٍ، وَلَهُ النِّعْمَةُ السَّابِغَةُ، والحجة البالغة.

[فصل]

من عِلَاجِ ذَلِكَ أَيْضًا وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ سَتْرُ مَحَاسِنِ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ بِمَا يَرُدُّهَا عَنْهُ، كَمَا ذَكَرَ البغوي فِي كِتَابِ «شَرْحِ السُّنَّةِ» : أَنَّ عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى صَبِيًّا مليحاج فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَتَهُ لِئَلَّا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ، ثُمَّ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ وَمَعْنَى: دَسِّمُوا نُونَتَهُ أَيْ سَوِّدُوا نُونَتَهُ، وَالنُّونَةُ النُّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ذَقَنِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ.

وَقَالَ الخطابي فِي «غَرِيبِ الْحَدِيثِ» لَهُ عَنْ عثمان: إِنَّهُ رَأَى صَبِيًّا تأخذه العين، فقال: دسّموا نوننه؟؟؟ فَقَالَ أبو عمرو سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى عَنْهُ، فَقَالَ أَرَادَ بِالنُّونَةِ النُّقْرَةَ الَّتِي فِي ذقنه. والتدسيم التسويده أَرَادَ: سَوِّدُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ ذَقَنِهِ، لِيَرُدَّ الْعَيْنَ قَالَ: وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ عائشة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ دَسْمَاءُ أَيْ سَوْدَاءُ. أَرَادَ الِاسْتِشْهَادَ عَلَى اللَّفْظَةِ، وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الشَّاعِرُ قَوْلَهُ

مَا كَانَ أَحْوَجَ ذَا الْكَمَالِ إِلَى ... عَيْبٍ يُوَقِّيهِ مِنَ الْعَيْنِ

<<  <   >  >>