للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذِكْرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِلَاجُ بِالْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ

فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ الْحُمَّى

ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«إنّما الحمىّ أو شدّة مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» «١» .

وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ جَهَلَةِ الْأَطِبَّاءِ، وَرَأَوْهُ مُنَافِيًا لِدَوَاءِ الْحُمَّى وَعِلَاجِهَا، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَجْهَهُ وَفِقْهَهُ، فَنَقُولُ: «خِطَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعَانِ: عَامٌّ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَخَاصٌّ بِبَعْضِهِمْ، فَالْأَوَّلُ «كَعَامَّةِ خِطَابِهِ، وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: «لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ» . وَلَا بول، ولا تسدبروها، وَلَكِنْ شَرِّقُوا، أَوْ غَرِّبُوا» «٢» ، فَهَذَا لَيْسَ بِخِطَابٍ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا الْعِرَاقِ، وَلَكِنْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا عَلَى سَمْتِهَا، كَالشَّامِ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» » .

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَخِطَابُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَاصٌّ بأهل الحجاز، وما وَالَاهُمْ، إِذْ كَانَ أَكْثَرُ الْحُمِّيَّاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ نَوْعِ الْحُمَّى الْيَوْمِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ الْحَادِثَةِ عَنْ شِدَّةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ، وَهَذِهِ يَنْفَعُهَا الْمَاءُ الْبَارِدُ شُرْبًا وَاغْتِسَالًا، فَإِنَّ الْحُمَّى حَرَارَةٌ غَرِيبَةٌ تَشْتَعِلُ فِي الْقَلْبِ، وَتَنْبَثُّ مِنْهُ بِتَوَسُّطِ الرُّوحِ وَالدَّمِ فِي الشَّرَايِينِ وَالْعُرُوقِ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَتَشْتَعِلُ فِيهِ اشْتِعَالًا يُضِرُّ بِالْأَفْعَالِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: عَرَضِيَّةٌ: وَهِيَ الْحَادِثَةُ إِمَّا عَنِ الْوَرَمِ، أَوِ الْحَرَكَةِ، أَوْ إِصَابَةِ حَرَارَةِ الشمس، أو القيظ الشديد، ونحو ذلك.


(١) أخرجه الإمام أحمد، والبخاري عن ابن عباس في الطب- ورواه مسلم في السلام: باب لكل داء دواء
(٢) أخرجه البخاري في القبلة. ومسلم في الطهارة. قال البغوي: هذا خطاب لأهل المدينة، ولمن كانت قبلته على ذلك السمت. فأما من كانت جهته إلى المشرق والمغرب فإنه ينحرف إلى الجنوب أو الشمال.
(٣) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم في الصلاة عن أبي هريرة. قال الترمذي- حسن صحيح. وقال الحاكم صحيح على شرطهما. أي البخاري ومسلم. وأقره الذهبي وقال النسائي منكر. وأقره عليه الحافظ العراقي.

<<  <   >  >>