للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُعَارَضَةٌ بِأَحَادِيثَ أُخَرَ تُبْطِلُهَا وَتُنَاقِضُهَا، فَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الترمذي، مِنْ حَدِيثِ جابر»

، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم آخذ بِيَدِ رَجُلٍ مَجْذُومٍ، فَأَدْخَلَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ، وَقَالَ: «كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَبِمَا ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ»

وَنَحْنُ نَقُولُ: لَا تَعَارُضَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَيْنَ أَحَادِيثِهِ الصَّحِيحَةِ. فَإِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَعَ كَوْنِهِ ثِقَةً ثَبْتًا، فَالثِّقَةُ يَغْلَطُ، أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ إِذَا كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ النَّسْخَ، أَوْ يَكُونُ التَّعَارُضُ فِي فَهْمِ السَّامِعِ، لَا فِي نَفْسِ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ.

وَأَمَّا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ صَرِيحَانِ مُتَنَاقِضَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ، فَهَذَا لَا يُوجَدُ أَصْلًا، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُوجَدَ فِي كَلَامِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيْهِ إِلَّا الْحَقُّ، وَالْآفَةُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَنْقُولِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهِ وَمَعْلُولِهِ، أَوْ مِنَ الْقُصُورِ فِي فَهْمِ مُرَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى غَيْرِ مَا عَنَاهُ بِهِ، أَوْ مِنْهُمَا مَعًا، وَمِنْ ها هنا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالْفَسَادِ مَا وَقَعَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَالَ ابن قتيبة فِي كِتَابِ «اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ» لَهُ حِكَايَةً عَنْ أَعْدَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ، قَالُوا: حَدِيثَانِ مُتَنَاقِضَانِ رَوَيْتُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» . وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النُّقْبَةَ تَقَعُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، فَيَجْرَبُ لِذَلِكَ الْإِبِلُ. قَالَ: «فَمَا أَعْدَى الْأَوَّلَ» «٢» ، ثُمَّ رَوَيْتُمْ «لَا يُورَدُ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ مَجْذُومٌ لِيُبَايِعَهُ بَيْعَةَ الإسلام، فأرسل إليه البيعة، وأمره


(١) أخرجه الترمذي في الأطعمة، وأبو داود في الطب، وابن ماجه في الطب وَقَالَ الترمذي: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ المفضل بن فضالة، والمفضل قال فيه ابن معين: ليس بذاك. أي ضعيف.
(٢) أخرجه الإمام أحمد

<<  <   >  >>