للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرِيَاضَةُ النُّفُوسِ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّأَدُّبِ، وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَالْإِقْدَامِ وَالسَّمَاحَةِ، وَفِعْلِ الْخَيْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَرْتَاضُ بِهِ النُّفُوسُ، وَمِنْ أَعْظَمِ رِيَاضَتِهَا: الصَّبْرُ وَالْحُبُّ، وَالشَّجَاعَةُ وَالْإِحْسَانُ، فَلَا تَزَالُ تَرْتَاضُ بِذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى تَصِيرَ لَهَا هَذِهِ الصِّفَاتُ هَيْئَاتٍ رَاسِخَةً، وَمَلَكَاتٍ ثَابِتَةً.

وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَدْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَجَدْتَهُ أَكْمَلَ هَدْيٍ حَافِظٍ لِلصِّحَّةِ وَالْقُوَى، وَنَافِعٍ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الصلاة نفسها فيها من حفظ الْبَدَنِ، وَإِذَابَةِ أَخْلَاطِهِ وَفَضَلَاتِهِ مَا هُوَ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ لَهُ سِوَى مَا فِيهَا مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الْإِيمَانِ، وَسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أَنْفَعِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَمِنْ أَمْنَعِ الْأُمُورِ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ، وَمِنْ أَنْشَطِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَالْقَلْبِ، كَمَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ، فَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ثَانِيَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» «١» .

وَفِي الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَرِيَاضَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ مَا لَا يَدْفَعُهُ صَحِيحُ الْفِطْرَةِ.

وَأَمَّا الْجِهَادُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ، وَحِفْظِ الصِّحَّةِ، وَصَلَابَةِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، وَدَفْعِ فَضَلَاتِهِمَا، وَزَوَالِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ، فَأَمْرٌ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ، وَفِعْلُ الْمَنَاسِكِ، وكذلك المسابقة على الخيل، وبالنصال، والمشيء فِي الْحَوَائِجِ، وَإِلَى الْإِخْوَانِ، وَقَضَاءُ حُقُوقِهِمْ، وَعِيَادَةُ مَرْضَاهُمْ، وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ، وَالْمَشْيُ إِلَى الْمَسَاجِدِ لِلْجُمُعَاتِ والجماعات، وحركة الوضوء والاغتسال، وغير ذلك.


(١) أخرجه البخاري في التهجير، ومسلم في صلاة المسافرين.

<<  <   >  >>