للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالسَّمَكُ الْبَحْرِيُّ فَاضِلٌ، مَحْمُودٌ، لَطِيفٌ، وَالطَّرِيُّ مِنْهُ بَارِدٌ رَطْبٌ، عَسِرُ الِانْهِضَامِ، يُوَلِّدُ بَلْغَمًا كَثِيرًا، إِلَّا الْبَحْرِيَّ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ، فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ خَلْطًا مَحْمُودًا، وَهُوَ يُخَصِّبُ الْبَدَنَ، وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ، وَيُصْلِحُ الْأَمْزِجَةَ الْحَارَّةَ.

وَأَمَّا الْمَالِحُ، فَأَجْوَدُهُ مَا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالتَّمَلُّحِ، وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ، وَكُلَّمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُ ازْدَادَ حَرُّهُ وَيُبْسُهُ، وَالسِّلَّوْرُ مِنْهُ كَثِيرُ اللُّزُوجَةِ، وَيُسَمَّى الْجِرِّيَّ، وَالْيَهُودُ لَا تَأْكُلُهُ. وَإِذَا أُكِلَ طَرِيًّا، كَانَ مُلَيِّنًا لِلْبَطْنِ، وَإِذَا مُلِّحَ وَعُتِّقَ وَأُكِلَ، صَفَّى قَصَبَةَ الرِّئَةِ، وَجَوَّدَ الصَّوْتَ، وَإِذَا دُقَّ وَوُضِعَ مِنْ خَارِجٍ، أَخْرَجَ السَّلَى وَالْفُضُولَ مِنْ عُمْقِ الْبَدَنِ مِنْ طَرِيقِ أَنَّ لَهُ قُوَّةً جَاذِبَةً.

وَمَاءُ مِلْحِ الْجِرِّيِّ الْمَالِحِ إِذَا جَلَسَ فِيهِ مَنْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةُ الْأَمْعَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْعِلَّةِ، وَافَقَهُ بِجَذْبِهِ الْمَوَادَّ إِلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ، وَإِذَا احْتُقِنَ بِهِ، أَبْرَأَ مِنْ عِرْقِ النَّسَا.

وَأَجْوَدُ مَا فِي السَّمَكِ مَا قَرُبَ مِنْ مُؤَخِّرِهَا، وَالطَّرِيُّ السَّمِينُ مِنْهُ يُخَصِّبُ الْبَدَنَ لَحْمُهُ وَوَدَكُهُ. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» : مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَأَتَيْنَا السَّاحِلَ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهَا: عَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَائْتَدَمْنَا بِوَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا، فَأَخَذَ أبو عبيدة ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، وَحَمَلَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ، وَنَصَبَهُ، فَمَرَّ تَحْتَهُ «١» .

سلق: رَوَى الترمذي وأبو داود، عَنْ أم المنذر، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ، قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ وعلي مَعَهُ يَأْكُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْ يَا علي فَإِنَّكَ نَاقِهٌ» ، قَالَتْ:

فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا علي فَأَصِبْ مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ» . قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حسن غريب.


(١) أخرجه البخاري ومسلم في الصيد والذبائح.

<<  <   >  >>