للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: السَّبَبُ الْفَاعِلُ لِهَذَا الدَّاءِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ بَقِيَّةُ رِجْزٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» «١» ، وَوَرَدَ فِيهِ «أَنَّهُ وَخْزُ الْجِنِّ» «٢» وَجَاءَ أَنَّهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ.

وَهَذِهِ الْعِلَلُ وَالْأَسْبَابُ لَيْسَ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ مَا يَدْفَعُهَا، كَمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَالرُّسُلُ تُخْبِرُ بِالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ، وَهَذِهِ الْآثَارُ الَّتِي أَدْرَكُوهَا مِنْ أَمْرِ الطَّاعُونِ لَيْسَ مَعَهُمْ مَا يَنْفِي أَنْ تَكُونَ بِتَوَسُّطِ الْأَرْوَاحِ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْأَرْوَاحِ فِي الطَّبِيعَةِ وَأَمْرَاضِهَا وَهَلَاكِهَا أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ أَجْهَلُ النَّاسِ بِالْأَرْوَاحِ وَتَأْثِيرَاتِهَا، وَانْفِعَالِ الْأَجْسَامِ وَطَبَائِعِهَا عَنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ يَجْعَلُ لِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ تَصَرُّفًا فِي أَجْسَامِ بَنِي آدَمَ عِنْدَ حُدُوثِ الْوَبَاءِ، وَفَسَادِ الْهَوَاءِ، كَمَا يَجْعَلُ لَهَا تَصَرُّفًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ الَّتِي تُحْدِثُ لِلنُّفُوسِ هَيْئَةً رَدِيئَةً، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ هَيَجَانِ الدَّمِ، وَالْمِرَّةِ السَّوْدَاءِ، وَعِنْدَ هَيَجَانِ الْمَنِيِّ، فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ الشَّيْطَانِيَّةَ تَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا بِصَاحِبِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ مَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَدْفَعْهَا دَافِعٌ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مِنَ الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِابْتِهَالِ وَالتَّضَرُّعِ، وَالصَّدَقَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَسْتَنْزِلُ بِذَلِكَ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْمَلَكِيَّةِ مَا يَقْهَرُ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ الْخَبِيثَةَ، وَيُبْطِلُ شَرَّهَا وَيَدْفَعُ تَأْثِيرَهَا، وَقَدْ جَرَّبْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا هَذَا مِرَارًا لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ، وَرَأَيْنَا لا ستنزال هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ وَاسْتِجْلَابِ قُرْبِهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي تَقْوِيَةِ الطَّبِيعَةِ، وَدَفْعِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ، وَهَذَا يَكُونُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهَا وَتَمَكُّنِهَا، وَلَا يَكَادُ يَنْخَرِمُ، فَمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ، بَادَرَ عِنْدَ إِحْسَاسِهِ بِأَسْبَابِ الشَّرِّ إِلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَدْفَعُهَا عَنْهُ، وَهِيَ لَهُ مِنْ أَنْفَعِ الدَّوَاءِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنْفَاذَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَغْفَلَ قَلْبَ الْعَبْدِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا وَتَصَوُّرِهَا وَإِرَادَتِهَا، فَلَا يَشْعُرُ بِهَا.

وَلَا يُرِيدُهَا، لِيَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا.

وَسَنَزِيدُ هَذَا الْمَعْنَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِيضَاحًا وَبَيَانًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّدَاوِي بِالرُّقَى،؛ وَالْعُوَذِ النَّبَوِيَّةِ، وَالْأَذْكَارِ، وَالدَّعَوَاتِ، وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَنُبَيِّنُ أَنَّ نِسْبَةَ طِبِّ الْأَطِبَّاءِ إِلَى هَذَا الطِّبِّ النَّبَوِيِّ، كَنِسْبَةِ طِبِّ الطَّرْقِيَّةِ والعجائز الى طبهم، كما


(١) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي من حديث أسامة بن زيد
(٢) «وخز الجن» أي طعن أعدائكم: أخرجه الحاكم عن أبي موسى الاشعري بلفظ- «الطاعون وخز أعدائكم من الجن وهو لكم شهادة» . وهو حديث صحيح.

<<  <   >  >>