قَوْلُهُ: «بِمَاذَا كُنْتِ تَسْتَمْشِينَ» ؟ أَيْ تُلَيِّنِينَ الطَّبْعَ حَتَّى يَمْشِيَ، وَلَا يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ، فَيُؤْذِيَ بِاحْتِبَاسِ النَّجْوِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الدَّوَاءُ الْمُسَهِّلُ مَشِيًّا عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَسْهُولَ يُكْثِرُ الْمَشْيَ وَالِاخْتِلَافَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ رُوِيَ: «بِمَاذَا تَسْتَشْفِينَ» ؟
فَقَالَتْ: بِالشُّبْرُمِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدْوِيَةِ الْيَتُوعِيِّةِ، وَهُوَ قِشْرُ عِرْقِ شَجَرَةٍ، وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ، وَأَجْوَدُهُ الْمَائِلُ إِلَى الْحُمْرَةِ، الْخَفِيفُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُشْبِهُ الْجِلْدَ الْمَلْفُوفَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي أَوْصَى الْأَطِبَّاءُ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِهَا لِخَطَرِهَا، وَفَرْطِ إِسْهَالِهَا.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَارٌّ جَارٌّ» وَيُرْوَى: «حَارٌّ يَارٌّ» ، قَالَ أبو عبيد: وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ بِالْيَاءِ.
قُلْتُ: وَفِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَارَّ الْجَارَّ بِالْجِيمِ الشَّدِيدُ الْإِسْهَالِ، فَوَصَفَهُ بِالْحَرَارَةِ، وَشَدِّةِ الْإِسْهَالِ وَكَذَلِكَ هُوَ، قَالَهُ أبو حنيفة الدِّينَوَرِيُّ.
وَالثَّانِي- وَهُوَ الصَّوَابُ- أَنَّ هَذَا مِنَ الْإِتْبَاعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، وَلِهَذَا يُرَاعُونَ فِيهِ إِتْبَاعَهُ فِي أَكْثَرِ حُرُوفِهِ، كَقَوْلِهِمْ: حَسَنٌ بَسَنٌ، أَيْ: كَامِلُ الْحُسْنِ، وَقَوْلُهُمْ: حَسَنٌ قَسَنٌ بِالْقَافِ، وَمِنْهُ شَيْطَانٌ لَيْطَانُ، وَحَارٌّ جَارٌّ، مَعَ أَنَّ فِي الْجَارٌّ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الَّذِي يَجُرُّ الشَّيْءَ الَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ شِدَّةِ حَرَارَتِهِ وَجَذْبِهِ لَهُ، كَأَنَّهُ يَنْزِعُهُ وَيَسْلُخُهُ. وَيَارٌّ: إِمَّا لُغَةٌ فِي جَارٍّ، كَقَوْلِهِمْ: صِهْرِيٌّ وَصِهْرِيجٌ، وَالصَّهَارِي وَالصَّهَارِيجُ، وَإِمَّا إِتْبَاعُ مُسْتَقِلٌّ.
وَأَمَّا السَّنَا، فَفِيهِ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، وَهُوَ نَبْتٌ حِجَازِيٌّ أَفْضَلُهُ الْمَكِّيُّ، وَهُوَ دَوَاءٌ شَرِيفٌ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ، قَرِيبٌ مِنَ الِاعْتِدَالِ، حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى، يُسْهِلُ الصَّفْرَاءَ وَالسَّوْدَاءَ، وَيُقَوِّي جِرْمَ الْقَلْبِ، وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ شَرِيفَةٌ فِيهِ، وَخَاصِّيَّتُهُ النَّفْعُ مِنَ الْوَسْوَاسِ السَّوْدَاوِيِّ، وَمِنَ الشِّقَاقِ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ، وَيَفْتَحُ الْعَضَلَ وَيَنْفَعُ مِنِ انْتِشَارِ الشَّعَرِ، وَمِنَ الْقُمَّلِ وَالصُّدَاعِ الْعَتِيقِ، وَالْجَرَبِ، وَالْبُثُورِ، وَالْحِكَّةِ، وَالصَّرِعِ، وَشُرْبِ مَائِهِ مَطْبُوخًا أَصْلَحُ مِنْ شُرْبِهِ مَدْقُوقًا، وَمِقْدَارُ الشَّرْبَةِ مِنْهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَمِنْ مَائِهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ طُبِخَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ زَهْرِ الْبَنَفْسَجِ وَالزَّبِيبِ الْأَحْمَرِ الْمَنْزُوعِ الْعَجَمُ، كَانَ أَصْلَحَ.
قَالَ الرَّازِيُّ: السَّنَاءُ وَالشَّاهَتْرَجُ يُسَهِّلَانِ الْأَخْلَاطَ الْمُحْتَرِقَةَ، وَيَنْفَعَانِ مِنَ الْجَرَبِ وَالْحِكَّةِ، وَالشَّرْبَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ إِلَى سَبْعَةِ دَرَاهِمَ.
وَأَمَّا السَّنُوتُ، فَفِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْعَسَلُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ ربّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute