شيء آخر تماما غير ما تريد المادية التاريخية أن تقوله، فتجعل من هذا العامل الطاقة الحركيّة الأساسيّة للفعل التاريخي، وتتّخذه قاعدة تحتيّة لسائر المناشط الحضارية..
وإذا كان (وات) يرفض هذا التوجه أحادي الجانب؛ فإنه يتشبّث بدور العامل الماديّ عموما، والاقتصادي على وجه الخصوص، في الحركة التاريخية.. وهو يقول بهذا الصدد: «إن اهتمام المؤرخين ومناهجهم قد تغيّرت خلال نصف القرن الأخير، ولا سيّما أنهم أدركوا بصورة أفضل العوامل المادّية الكامنة في التاريخ. يعني ذلك: أنّ مؤرخي منتصف القرن العشرين يهتمون أكثر بتحديد أثر كثير من المسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دون أن يهملوا الجانب الديني أو يقلّلوا من شأنه، حتى إن الذين (من أمثالي) يرفضون القول بأن مثل هذه العوامل يمكنها أن تحدد بصورة مطلقة سير الأمور؛ يجب عليهم مع ذلك أن يعترفوا بأهميتها.
وليست ميّزة هذه السيرة لمحمد أن تستعرض المصادر المعروضة عليها بقدر اهتمامها بهذه العوامل المادية ومحاولتها أن تقدّم جوابا على العديد من الأسئلة التي قلّما أثيرت في الماضي» «١» .
ومع هذه التحفّظات التي يطرحها (وات) فإننا نجده ينساق بين الحين والآخر، وراء إغراء هذا التقليد المنهجي القائم على منح الأهمية، وربما الأولوية، للعامل الاقتصادي لكي يفسّر وقائع من السيرة تندّ بطبيعتها عن أن تكون تمخّضا عن العلاقات الاقتصادية، في إطار حركة دينية كسرت- كما رأينا في بدء البحث- كل (التنظيرات) المادية التي أريد إخضاعها لها!!
فهو- مثلا- يقتبس فكرة الصراع الطبقي في حديثه عن المنتمين للإسلام في العصر المكّي، فيرى أن الإسلام «لم يستمدّ قوته من رجال الدرجة