ويعلق المستشرق البريطاني المعروف (سير هاملتون جب) على الكتاب قائلا: بأنّه يجعل القارئ يشعر بأنه كتبه رجل عاش بالخيال تجربة محمد في مكة أكثر من أي كاتب سابق، يضاف إلى ذلك تنظيمه الدقيق لمواد البحث الذي يعد إضافة جديدة قيمة لدراسة أصول الإسلام. لقد اهتم الكتاب خاصة يقول جب- بالأرضية الاقتصاديّة والاجتماعيّة وعلاقاتها بنظريات القرآن الدينيّة. ولهذا يؤمّل أن يؤدّي إلى تقدير حق لهذا القائد العظيم أكثر في الغرب مما مضى «١» !!. من أجل هذا وقع الاختيار عليه، لأن الآخرين من المستشرقين الذين افتقدوا بعض شروط البحث الجادّ، قد نوقشوا كثيرا؛ فضلا عن أن بحوثهم لم تعد تستحق ذلك العناء الكبير الذي عوملت به في العقود السابقة بسبب وضوح تناقضاتها وإلحاحها في ملاحقة ما تتصوّره أخطاء والتشبّث بها، كالمغناطيس الذي يمسك بقطع الحديد المتناثرة..
ثم إن (الدفاع) عن الحقائق الإسلامية العقيدية والتاريخية إزاء أخطاء الآخرين وتحريفاتهم ليس أكثر أهمية من تقديم أعمال بنائيّة، وإنه ليجب التأكيد باستمرار على حقيقة أن العمل التاريخي الجادّ بحاجة إلى البناة، الذين يملكون الحسّ النقدي بطبيعة الحال، أكثر من النقاد، ذلك أن جوانب كثيرة من تاريخنا وحضارتنا لا تزال تنتظر من يكشف النقاب عنها، أو يعيد عرضها بالأسلوب الذي يقدمها كما تحققت فعلا، أما ملاحقة دراسات الآخرين كشفا عن خطأ فيها، ودفاعا عن قيمة ما في تاريخنا وفكرنا وعقيدتنا، فيبدو أمرا ثانويا يجب ألّا يحتلّ الخطّ الأماميّ إلّا بعد أن يتم القدر الأكبر من مساحات البناء وتكويناته.
ومع ذلك فإن العملية النقدية- ما دامت تتضمن قدرا من الإنجاز البنائي في جانب ما من جوانب العقيدة أو التاريخ- تغدو جديرة بالممارسة هي الآخرى، شرط ألّا تكون هدفا بحدّ ذاتها.
(١) من تعليق جب الذي اعتمده الناشر على غلاف كتاب (محمد في مكة) .