العربي عن أن يجمع شتات القبائل المتفرّقة قد سمح له أن يخضع لدينه القبيلة تلو الآخرى، وأن ينتصر عليهم بكلّ وسيلة، فتارة بالقوّة والقهر، وتارة بالمحالفات الودّية والوسائل السلمية» «١» .
وعلى الرغم من أن العديد من أبناء هذه الطبقة من المستشرقين كشفوا بتعمقهم ونفاذهم وإحاطتهم- النقاب عن بعض الجوانب المضطربة الغامضة في تاريخنا الإسلاميّ عامة بما فيه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم بأخطائهم المنهجيّة التي عرضنا لبعض أنماطها، طرحوا الكثير من النتائج والآراء الخاطئة على مستوى الموضوع. وهذا أمر طبيعي، فالخطأ لا ينتج إلا الخطأ، والبعد عن الموضوعيّة لا يقود إلا إلى نتائج لا تحمل من روح العلم والجدية إلا قليلا.
ولن يتحمّل بحث موجز كهذا عرض وتحليل ومناقشة هذه الآراء والنتائج؛ فلهذا كلّه مجال آخر، وليس من نافلة القول الإشارة إلى أن هذه الآراء تمثل حصادا ضخما يمكن أن يجنيه كل دارس بتأنّ وروية لما كتبه هؤلاء المستشرقون عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حصاد يحمل في ثناياه كما رأينا عناصر تناقضه واضطرابه وخروجه على البحث العلمي المنهجي الدقيق.
ولكن القوم، إذا توخّينا الحكم الدقيق، ليسوا كلهم سواء؛ فقد شذّ عنهم بعض المستشرقين- ولكل قاعدة شواذ- وبالرغم من قلة هؤلاء بالنسبة للتيار الأوسع والأثقل، فإن صوتهم لم يضع، وقد مارسوا كشفا نقديا طيبا للكثير من أعمال رفاقهم في البحث، وألقوا الضوء على الثغرات والمطبّات التي وقعوا فيها.. وقد عرضنا لبعض مواقف هؤلاء: دينيه، وات، درمنغهم، أرنولد.. على الرغم من أن هؤلاء أنفسهم ما كانت رؤيتهم تصل أبدا درجة النقاء العلمي المطلوب، فهذا الأمر يكاد يكون مستحيلا!!