على ذي الحليفة يلزمه الإحرام منه، والعراقي إذا مر بقرن المنازل لزمه الإحرام منه؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول:((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) عندنا جملتان: ((هن لهن)) هذا هو الأصل أن هذه المواقيت لهذه الجهات، الجملة الثانية:((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) الإشكال يمكن تصوره في عراقي مر على ميقاته فتجاوزه، وقال: أُحرم من ميقات دونه هو أقرب منه إلى مكة، أو شامي مر بذي الحليفة وقال: أتجاوزه إلى ميقاتنا أقرب إلى مكة، مقتضى قوله:((هن لهن)) أنه يسوغ له ذلك؛ لأنه من أهل تلك الجهة التي حدد لها هذا المكان، ومقتضى الجملة الثانية أنه لا يسوغ له أن يتجاوز الميقات الذي مر عليه أولاً بدون إحرام، فإذا مر الشامي بذي الحليفة وتجاوزه إلى الجحفة قال: أريد أن أحرم من ميقاتنا الذي حدد لنا بدلاً من أن أحرم أربعمائة كيلو أحرم سبعين ثمانين مائة كيلو أيسر، لا شك أن هذه أيسر له، لا سيما إذا كان الجو بارد، هل يسوغ له ذلك؟ مقتضى الجملة الأولى يسوغ له ذلك، وعلى مقتضى الجملة الثانية أنه لا يجوز له أن يتجاوز الميقات الذي مر به دون إحرام، والجمهور يلزمونه بدم في مثل هذه الصورة؛ لأنه تجاوز الميقات دون إحرام، فإذا مر على غير ميقاته فهو الميقات بالنسبة له؛ لأن هذه المواقيت حددت لأهل تلك الجهات ومن مر بها، فهي ميقاته في الحقيقة، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يسوغ له ذلك، وإن كان الأولى عنده أن يحرم من ذي الحليفة.
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يميل إلى رأي مالك، وأنه ما دام أحرم مما حدد له شرعاً فلا داعي لتكليفه أكثر من ذلك، الشرع حدد له ووقت له وهو متصف بهذا الوصف، وهو من أهل الشام أحرم من الجحفة والنص قال:"ولأهل الشام الجحفة" نعم، فعلى رأي مالك لا يلزمه شيء، وهو اختيار الشيخ -رحمه الله-، وهذه المواقيت عينت لأهل تلك الجهات قبل أن تفتح، غالبها لم يفتح، وفي هذا علم من أعلام النبوة، ومعجزة من معجزاته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن توقيتها يدل على أنها سوف تفتح، ويحج أهلها، ويصيرون مسلمين بعد أن كانوا كفاراً.