يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في حقيقة الصيام، رسالة في حقيقة الصيام:"وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة، -من أنواع الشجاج- فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله على الصائم لكان هذا مما يجب بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه، وأما الحديث المروي في الكحل فضعيف، ومثل الكحل قطرة العين والأذن فإنهما لا تفطران الصائم، لكن قد يقول قائل: إذا اكتحلت أو قطرت في عيني، أو قطرت في أذن، قد أجد الطعم في الحلق، نعم قد يجد الطعم، إن وجد الطعم في حلقه فالقضاء في حقه أحوط، الحقنة وهي إدخال الدواء عن طريق الدبر، أشار إليها شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في قوله: "وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ... " إلى آخره، هو لا يرى أنه يفطر بشيء من ذلك.
الحنقة إدخال الدواء عن طريق الدبر فيها خلاف الذي أشار إليه شيخ الإسلام سابقاً، واختار أنها لا تفطر؛ لأنها لا يطلق عليها اسم الأكل والشرب لا لغة ولا عرفاً، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف، ولو كان لقلنا: كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه يفطر، لكن الكتاب والسنة دل على شيء معين وهو الأكل والشرب.
وعلى كل حال كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- فيه قوة، وأدلته قوية، لكن الأحوط أن لا يحتقن الإنسان في نهار رمضان إلا في حال الضرورة القصوى، خروجاً من خلاف من قال بفطره، لا شك أن الدبر منفذ يصل إلى الجوف، لكنه ليس بأكل ولا شرب، ولا في معنى الأكل والشرب، مثل الحقنة، الإبر في الوريد والعضل إذا لم تكن مغذية فإنها لا تفطر الصائم؛ لأنها ليست بأكل ولا في معناه، لكن لو كانت مغذية صارت في معنى الأكل وإن لم تكن أكلاً، لكن تأخيرها إلى الليل أحوط، وأما الإبر المغذية فإنها تفطر الصائم لماذا؟ لأنها بمعنى الكل، والعبرة بالمعاني.