يقول النووي في شرح مسلم:"الأظهر -والله أعلم- أنه يحتمل أن بن عمر سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين مرة بتقديم الحج، ومرة بتقديم الصوم، فرواه أيضاً على الوجهين في وقتين" يعني رواه مرة في وقت بتقديم الحج، ومرة أخرى في وقت آخر بتقديم الصوم، فلما رد عليه الرجل، وقدم الحج قال ابن عمر:"لا ترد علي ما لا علم لك به، هكذا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر، ويحتمل أن ابن عمر كان سمعه مرتين بالوجهين كما ذكر، ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي ذكره فأنكره.
وعلى كل حال الصوم والحج ركنان من أركان الإسلام اتفاقاً، وكون الحج يقدم على الصوم، أو الصوم يقدم على الحج لا يقلل من شأن الآخر، المؤخر.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- اعتمد على الرواية التي فيها تقديم الحج على الصوم، وبنى عليها ترتيب كتابه، فقدم الحج على الصيام في كتابه، ولعل ذلك لما ورد من التشديد في ترك الحج مما هو أكثر من التشديد في ترك الصيام، من الأحاديث المرفوعة والموقوفة؛ إضافة إلى قوله تعالى:{وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(٩٧) سورة آل عمران]، وهذا في إيش؟ في الحج.
وأجمع العلماء على وجوب الصيام، وأنه ركن من أركان الإسلام، وعلى كفر من جحد وجوبه، واختلفوا في تكفير من تركه مع اعترافه بوجوبه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى في كتاب الإيمان:"وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، يعني ولو وقر الإيمان في قلبه، لكنه لم يتمكن من النطق بالشهادتين"، هذا يصدق عليه أنه لم يأت بالشهادتين، فالنطق بالشهادتين لا بد منه لصحة الإيمان، لكن إذا وقر الإيمان في قلبه، ومنعه من النطق بهما مانع إن كان المانع خِلقي، أبكم، فلا يؤثر، وإن كان المانع غير ذلك لضيق الوقت وشبهه، فإن هذا مؤثر، لا يحكم بإسلامه حتى ينطق، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، لكنه في الدنيا ما لم ينطق فإنه يعامل معاملة الكفار:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) حتى ينطقوا.