ولا شك أن هذه المسألة فرع عن مسألة كبرى وهي أن من يؤدي العبادة مع التلذذ بها والاشتياق إليها أفضل؟ أو الذي يؤديها على نوع من تحمل المشقة والعسر في أدائها؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، هل هذا أفضل أو ذاك؟ لكن المرجح عندهم أن من يتلذذ بالعبادة أفضل من الذي يؤديها مع نوع من المشقة؛ لأنه لم يصل إلى تلك المرحلة حتى اجتاز هذه، ولذا كان السلف يعالجون من قيام الليل الشدائد، ثم لا يزالون أن يتلذذوا به، ومثله الصيام، وغيره من العبادات.
يقول القرطبي في تفسيره:"وإنما خص الله -سبحانه وتعالى- الصوم بأنه له، وإن كانت العبادات كلها له لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات:
أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات.
قد يقول قائل: الصلاة تمنع من ملاذ النفس وشهواتها، الصلاة تمنع، لكن الوقت الذي يقضيه في الصيام، والمنع الذي يترتب على الصيام أطول من المنع الذي يترتب على الصلاة، وإلا ما في أحد يزاول شهواته وهو يصلي، فهما مشتركان في هذا، لكن الوقت الذي يمضيه في الصوم أطول من الوقت الذي يمضيه في الصلاة وغيرها من العبادات.
الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه، ولعل هذا أظهر، لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر، فلربما فعله تصنعاً ورياءً فلهذا صار أخص بالصوم من غيره.
يقول ابن عبد البر: "كفى بقوله: ((الصوم لي)) فضلاً للصيام على سائر العبادات"؛ لأن الذي يضاف إلى -سبحانه وتعالى- إنما هو الشريف؛ فالإضافة إلى الله -سبحانه وتعالى- تقتضي التشريف، ولذا يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله-: "كفى بقوله: ((الصوم لي)) فضلاً للصيام على سائر العبادات".