للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ١ أي "لا إله إلا الله".

فتدبر كيف عبر الخليل - عليه السلام - عن هذه الكلمة العظيمة بمعناها الذي دلت عليه ووضعت له٢ من البراءة من كل ما يعبد من دون الله من المعبودات الموجودة في الخارج: كالكواكب والهياكل والأصنام التي صورها قوم نوح على صور الصالحين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وغيرها من الأوثان والأنداد التي كان يعبدها المشركون بأعيانها. ولم يستثن من جميع المعبودات إلا الذي فطره، وهو الله وحده لا شريك له، فهذا هو الذي دلت عليه كلمة الإخلاص مطابقة. كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} ٤. فكل عبادة يقصد بها غير الله: من دعاء وغيره فهي باطلة، وهي الشرك الذي لا يغفره الله، قال تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} ٥.

وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُم وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ


١ سورة الزخرف آية: ٢٦-٢٧-٢٨.
٢ في قرة العيون: فعبر عن المنفي بها قوله: (إنني براء مما تعبدون) وعبر عما أثبتته بقوله: (إلا الذي فطرني) فقصر العبادة على الله وحده، ونفاها عن كل ما سواه ببراءته من ذلك. فما أحسن التفسير لهذه الكلمة وما أعظمه. قال العماد ابن كثير في قوله تعالى: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) : أي هذه الكلمة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله; جعلها في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم عليه (لعلهم يرجعون) أي إليها. قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم في قوله: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) . يعني "لا إله إلا الله" لا يزال في ذريته من يقولها.
٣ سورة التوبة آية: ٣١.
٤ سورة الحج آية: ٦٢.
٥ سورة غافر آية: ٧٣-٧٤.

<<  <   >  >>