للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: النهى عن المفاضلة بين الأنبياء سدا لذريعة الانتقاص من أحدهم٠]

دل القرآن الكريم على أن الله فضل بعض النبيين على بعض كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ١، ومع هذا وردت أحاديث صحيحة تنهى عن تفضيل بعض النبيين على بعض كما جاء في حديث أبى هريرة – رضي الله عنه – قال:"بينما يهودي يعرض سلعته أعطى بها شيئا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: "لم لطمت وجهه؟ " فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤى في وجهه، ثم قال: "لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدرى أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي"

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول: "إني خير من يونس بن متى٠ ونسبه إلى أبيه" ٢٠

وهذه الأحاديث لا تعارض آية التفضيل المذكورة آنفا، وينبغي أن يحمل النهى الوارد فيها عن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية، سدا لذريعة الانتقاص من المفضول٠

قال النووي: قال العلماء: هذه الأحاديث تحتمل وجهين

أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس،


١ البقرة / آية: ٢٥٣.
٢ أخرجهما البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب ٣٥ جـ٦ / ٤٥٠، ٤٥١، ومسلم في كتاب الفضائل باب ٤٢ جـ٤ / ١٨٤٣، ١٨٤٤.

<<  <   >  >>