يعني الجدل في القرآن الكريم المحاورة لإظهار الحق، فقد يضطر الداعي في موقفه أمام خصمه العنيد إلى استعمال الحجج المقنعة والمجادلة المفحمة، فالجدال لم يكن مسلكاً مقصود بذاته، ولكن قد يضطر له الداعي عندما يكون الخصم مشاغباً، فالجدال إذن لا يكون إلا بقدر الحاجة، والإرشاد القرآني أن يكون الجدال بالتي هي أحسن، فقوله-تعالى-: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} هي بيان لوسيلة ثالثة من وسائل الدعوة السليمة. أي: وجادل المعاند منهم بالطريقة التي هي أحسن الطرق وأجملها، بأن تكون مجادلتك لهم مبنيّة على حسن الإقناع، وعلى الرفق واللين وسعة الصدر فإن ذلك أبلغ في إطفاء نار غضبهم، وفي التقليل من عنادهم، وفي إصلاح شأن أنفسهم، وفي إيمانهم بأنك إنما تريد من وراء مجادلتهم، الوصول إلى الحق دون أيّ شيء سواه.
وقد وردت "للمجادلة" ألفاظٌ مرادفة كالمحاجة والمخاصمة، فإن كانت الغاية حقاً كان الجدال محموداً، وإلا كان مذموماً، فالغاية هي التي تُفرّق بين الجدال المذموم والمحمود. والوسيلة إن كانت حسنة كان الجدال محموداً، وإلا كان مذموماً.