ولقد سبق لنا أن تحدثنا في أكثر من مناسبة عن عاطفة الغيرة التي كانت تثور وتتفاعل في نفوس زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، إحداهن تغير من الأخرى ومن الجديدة دائمًا على وجه الدقة، ولقد كوَّنَّ - رضي الله عنهن - فيما بينهن ما يشبه الأحزاب أو التكتلات وكانت عائشة وحفصة في جبهة واحدة، وكذلك الأخريات، ونحب أن نقول بأن تلك الغيرة قد تهذبت كثيرًا وخفت حدتها بفضل الله ثم بتوجيهات الرسول العظيم والنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
وأيضًا فإن تلك الغيرة لم تكن تخرج من إطار محمود إلى مجال الأذى أو الضرر.
ولقد جاءت (جويرية) - رضي الله عنها - ذات يوم ولم يكن قد مضى على زواجها إلا أيام قلائل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيماء الحزن والأسى بادية على عينيها الدامعتين ثم قالت: يا رسول الله إن نساءك يفخرن علي يقلن لم يتزوجك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهدهد - عليه الصلاة والسلام - من ثورة نفسها وطمأن من حدة غضبتها وحزنها وقال لها:«ألم أعظم صداقك؟ ألم أعتق أربعين من قومك؟ ».
فسكتت جويرية - رضي الله عنها - سكوت الرضا ومسحت دمعتين جرتا على وجنتها.
أم المؤمنين:
ولقد أصبحت - رضي الله عنها - بإكرام النبي - صلى الله عليه وسلم - لها وإعزازه لمكانتها درة ثمينة في عقد زوجاته الفاضلات.