للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:

الباب الخامس

النصيحة لخاصة المسلمين

الفصل الأول

الطاعة للأمراء

وأما الطاعة للأمراء: فقال عمر رضي الله عنه لسويد بن غفلة: يا سويد بن غفلة لعلك لا تلقاني بعد ليوم فعليك بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا مجدعا، إن شتمك فاصبر، وإن ضربك فاصبر، وإن ضربك فاصبر، وإن أخذ مالك فاصبر، وإن راودك عن دينك فقل: طاعة مني ذمتي دون ديني، ولا تخرج يدا من طاعة وهذه وصية جامعة لما تضمنته الأحاديث المتضافرة.

وقد أوحى الله إلى بعض الأنبياء: (أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبهم وادعوني أُعطفهم عليكم) وقال سفيان رضي الله عنه: من دعا لظالم بالبقا فقد أحب أن يعصي الله في أرضه.

وقال عليه السلام: (سيكون أمراء وذكر من ظلمهم وفسقهم قالوا: نقاتلهم يا رسول الله قال: لا ما صلوا) قال العلماء: وذلك لأن الصلاة عنوان الإيمان، فإذا تركوا الصلاة، يعني جاهروا بذلك، وأمروا به، فقد كفروا أو كادوا، ولا طاعة لكافر.

والرجل في بيته أمير، والأب في أولاده أمير، والمعلم في صبيانه أمير، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (كلهم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) .

الفصل الثاني

التصديق للعلماء

وأما التصديق للعلماء: فواجب فيما نقلوه لا فيما قالوه، إلا عند إبهام دليله، والثقة بدينه، وقد جاء: (العلماء ورثة الأنبياء، وأمناء الرسل، ما لم يميلوا إلى الدنيا، ويداخلوا السلاطين فاخشوهم في دينكم) وعنه عليه الصلاة والسلام: (إذا كان الكلام إلى العالم أحب من الصمت فقد هلك) وقد قال عمر رضي الله عنه في وصيته: وشاور في أمورك الذين يخشون الله تعالى.

ومما لا يهدي إلهي العلم، القيام للأكابر، وفيه شبهة، عند خوف الضرر، وأما إحناء الرأس فلا وجه له في الشرع أصلا، وكذا هذا الإطناب الذي أولعوا به.

الفصل الثالث

التسليم للفقراء

وأما الفقراء فيسلم لهم في كل شيء لا يقتضي العلم إنكاره، وما وجب إنكاره أنكر عليهم، مع اعتقاد كما لهمن إذ لا يبعد أن يكون للولي الزلة والزلات إذ الأولياء محفوظون، والحفظ يجوز مع الوقوع في المعصية، إلا أنه لا يجوز مع الإصرار عليها، وقد سئل الجنيد رحمه الله تعالى: أيزني العارف فقال: وكان أمر الله قدرا مقدورا، وقال ابن عطاء الله: ليت شعري لو قيل له: أتتعلق همة العارف بغير الله لقال: لا.

ولا ينكر على الفقراء، إلا محرما مجمعا على تحريمه، ولا يسلم لهم، إلا فيما له صورة يباح بها من الأفعال، وقد قال بعض العلماء: ما زال يختلج في نظري أن المجذوب فاقد لعفل التكليف، فكيف تثبت له الولاية حتى فتح الله بأن العقل إن فقد بحقيقة إلهية فله حكم تلك الحقيقة وحرمتها، وإذا فقد بالخيالات الوهمية فله حكمها، وإن كان التكليف ساقطا في الجميع، لفوات عقل المعاش الذي يميز خير الشرين وشر الخيرين.

وأنشد بعضهم:

سَبَتدوا لَكَ الأَسرارُ بَعدَ اِكتِتامِها ... كَأَنَّ الَّذيب قَد صانَها عَنكِ يُخبَرُ

فَسَلَّم لَهُم فالقَومُ أَهلُ عِنايةٍ ... وَجامَلَهُم فالوَصفُ لا يَتَحَقَرُ

فَإِن كُنتَ في أَذيالِهِم مُتَمَسِكاً ... فَإِنّكَ طولَ الدَهرِ لا تَتَغَيرِ

وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله عبادا من نظر في أحدهم نظر سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا) وفي حديث: (الذاكرون هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) .

وما احسن قول القائل مستغيثا بهم.

وما أحسن قول القائل مستغيثا بهم:

يا عِبادَ الإِلَهِ إِنَّ عَبيداً ... لاذَ مِن أَجلِكُم بِرُكنٍ قَوي

فاقبَلَوهُ بِفَضلِكُم وَارحَموهُ ... وَاشفَعوا فيهِ لِلإِلَهِ العَلي

اللهم إنا نتوسل إليك بحبهم فإنهم أحبوك وما أحبوك حتى أحببتهم، فبحبك إياهم وصلوا إلى حبك، ونحن لم نصل إلى حبهم فيك، إلا بحظنا منك، فتمم لنا ذلك مع العافية الشاملة الكاملة، حتى نلقاك يا أرحم الراحمين.

<<  <