وفي الإنصراف: يتعين لفظ السلام عليكم، وكماله، إذ لم يثبت عن الشارع غيره، وإن جاز ذلك بمذهبه، كالفاتحة لقوة الخلاف، والنزول من الكمال إلى الرخصة المخوف بطلان الصلاة بها. وهذا كإزالة النجاسة بكل قلاع، والوضوء بالنبيذ، وما جرى ذلك مما لا ينكره مذهب الفاعل، وينكره غيره، والله أعلم.
ومن الآفات في الإمامة: طلبها، لغير عذر شرعي والتأبي منها لغير ضرورة، وأخذ الأجرة عليها مفردة، إن كانت من الجماعة، لا من الوقف، أو بيت المال، فإنها جائزة اتفاقا وإن اختلف في كراهتها، والتكلف بها في القراءة ونحوه، ومسابقة الإمام ومقارنته، وإن جاز ذلك بمذهبه.
وتكرير الجماعة في مسجد صليت فيه لمالكي، والدوام على ذلك من شافعي. وتكرير الصلاة الواحدة في الجماعة المختلفة، لما في ذلك من إنكار بعض المذاهب، اللهم إلا أن يكون معتادا للجماعة، ولم يجد غير ذلك، فنعم، لألا يألف البطالة.
ومنها: ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وإن كان مذهبه عدم الوجوب لبركتها، وقوة الخلاف فيها.
ولا ينبغي أن يتنفل بعد السلام إلا بفاصل عادي، يقتضي خروجه عنها، ويتقي مثل النفل بعد الجمعة والصبح ونحو ذلك، لقوة الخلاف، وعدم الحرج في الترك عند القائل بالجواز وبالله سبحانه التوفيق.
[ومن آفات الصيام]
التنطع في البيات أوله أو كل ليلة على مذهب قائله، أو التساهل في ذلك وفي موجبات الافطار أو مطلوباته كأن يسافر فيتورع عن الإفطار، وهو مضطر أو محتاج، أو تدركه الضرورة في الحضر فيأبى ذلك، أو يأكل ساهيا فلا يقضي ذلك خروجا عن مذهبه، لا رجوعا إلى أصله.
وعدم التعجيل بالإفطار طلبا للتمكين من غير شبهة قائمة، أو لتأخر السحور، وعملا على مجرد الوسوسة.
[ومنها في الزكاة]
الحيلة بما وقع لبعض العلماء من الوجوه، حتى لا يعطيها أو كونها لمن تتبعه معرفته من أخ أو صديق ملاطف ونحوه أو لمن تصله منفعته، من دابة، أو غيرها، فإن علم فقر من ذكر وصله له على يد غيره، من حيث لا يشعر به. وهذا فيمن لا تلزمه نفقته، وإلا فلا تجزئه.
وآفات الحج كثيرة، وأهمها: كونه بمال حرام، أو مع ارتكاب حرام، كالتساهل في الصلوات، والنجاسات، والمأكولات، والذل لمن لا ترضى حاله، والتملق لهم، وعدم تصحيح القصد فيه، بتقدير إسقاط وجوبه إن كان واجبا، فإن تحركت النفس مع تقدير إسقاطه فالحامل عليه الهوى، وإلا فالعكس.
الفصل الثاني
نصرة الدين
ونصرة الدين بأمور ثلاثة: الجهاد، وشروطه معروفة.
والأمر بالمعروف، وشروطه ثلاثة: كون ما أمر به معروفا متفقا على إنكار نقيضه في مذهب الفاعل والقدرة على ذلك من غير وصول ضرر يؤدي إلى فساد عليه في دين أو دنيا، أو يؤدي إلى منكر أعظم منه.
وأن يكون ذلك بمعروف حتى كأنه عبد يأمر ابن سيده. وإن أدى الأمر إلى ضربه بإذنه فهو نائبه في فعله.
والثالث من وجوه النصرة: القيام بالأسباب الموجبة لبقائه من علم أو عمل.
فالعلم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما ولاهما من فقه ولغة ونحوها.
والعمل: الصنائع الأصلية، كالحدادة والتجارة، وشبهها.
الفصل الثالث
التسليم في الحكم
وأما التسليم لأمره تعالى، فالأمر قسمان: تكليفي، وتعريفي.
فالتعريفي: ما يورده عليك من المرادات القهرية، ويعينك على التسليم له فيه علمك بأنه رحيم بك، عالم بما أنت عليه لطيف بك في جميع أحوالك، ولا يقدر على دفع ما وضع غيره، وأنه يخلق ما يشاء ويختار. فكما ليس لغيره حكم ليس لغيره اختيار.
وأما التكليفي فأربعة: التوبة، في المعصية، وشهود المنة في الطاعة، والصبر على البلية، والشكر على النعمة.
والتوبة: الخروج عن الذنب لله، ولما به وعد الله، لا لخوف الخلق، ولا لطلب الرزق.
ولها فروض ثلاثة: رد المظالم، واجتناب المحارم، والنية ألا يعود.
المطلب الأول
رد المظالم
فالمظالم: مالية، وعرضية، ودينية، ونفنسية، وحرمية.
فالمالية: يجب ردها إجماعا.
والعرضية: خلاف، مشهوره وجوب الاستحلال.
وفي النفسية: خلاف. إن لم تتعلق بالمال. ويتعين في الحرمية عدم الاستلحلا.
وفي الدينية تختلف الأحوال.