أما موضعها من الكلام وارتباطها بما قبلها وما بعدها معجز، فيظهر إعجازها بضمها إلى غيرها، بسورة منه، أقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وهي مكونة من ثلاث آيات، فالتحدي يحصل بثلاث آيات، هذا على القول بأن البسملة ليست بآية من هذه السورة ولا من غيرها، أو هي آية واحدة أنزلت للفصل بين السور وليست بآية من كل سورة سورة، والمسألة خلافية بين أهل العلم، وهم يجمعون على أنها آية أو بعض آية من سورة النمل، وأنها ليست بآية في أول براءة، ويختلفون فيما عدا ذلك.
فإذا قلنا -وهو قول الشافعي-: إن البسملة آية، قلنا: الكوثر أربع آيات، فلا يحصل التحدي إلا بأربع آيات، وإذا قلنا: ليست بآية هو قول الأكثر قلنا: يحصل التحدي بثلاث آيات يعني بقدر سورة الكوثر ولو آية واحدة، المقصود ألا تقل عن سورة.
"بسورة منه" للإعجاز بسورة منه، يخرج بذلك الكلام غير المعجز، ويزيد بعضهم: المتعبد بتلاوته، ولا يوجد كلام يتعبد بتلاوته بمجرد تلاوته ويرتب الأجر على مجرد القراءة سوى القرآن.
"المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" يشمل الحديث القدسي، هو يخرج الكتب السابقة ويدخل الحديث القدسي، لكن الحديث القدسي ليس بمعجز، وهو أيضاً ليس متعبد بتلاوته، وتجوز روايته بالمعنى، تجوز رواية الحديث القدسي بالمعنى، وإن كان أصل الكلام من الله -جل وعلا- أنزل على محمد -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلكم أداه النبي -عليه الصلاة والسلام- ونسبه إلى ربه -جل وعلا-، وتداوله الرواة بعد ذلك على طريقة روايتهم للحديث النبوي، ولذا تجوز روايته بالمعنى، ولو تأملت أي حديث قدسي يروى في دواوين الإسلام لوجدت اختلافاً بين رواته في الألفاظ مما يدل على تواطئهم على جواز روايته بالمعنى كالحديث النبوي.