أصحاب القاضي أبي يعلى ولكن القاضي أبو يعلى لا يرضى بمثل هذه المقالات، بل هو ممن يجزم بأن أفعال العباد مخلوقة، ولو سمع أحداً يتوقف في الكفر والفسوق والعصيان أنه مخلوق - فضلاً عن أن يقول إن أفعال العبد من خير وشر: قديمة - لأنكر عليه أعظم الإنكار.
وإن كان في كلام القاضي مواضع اضطرب فيها كلامه وتناقض فيها، وذكر في موضع كلاماً بنى عليه من وافقه فيه من أبنية فاسدة، فالعالم قد يتكلم بالكلمة التي يزلّ فيها فيفرع أتباعه عليها فروعاً كثيرة، كما جرى في مسألة ((اللفظ)) و ((كلام الآدميين)) ومسألة ((الإيمان)) و ((أفعال العباد)) .
فإن السلف والأئمة - الإمام أحمد وغيره - لم يقل أحد منهم إن كلام الآدميين غير مخلوق ولا قلوا: إنه قديم ولا إن أفعال العباد غير مخلوقة، ولا إنها قديمة. ولا قالوا أيضاً: إن الإيمان قديم ولا إنه غير مخلوق، ولا قالوا: إن لفظ العباد بالقرآن مخلوق، ولا إنه غير مخلوق، ولكن منعوا من إطلاق القول بأن الإيمان مخلوق، وأن اللفظ بالقرآن مخلوق؛ لما يدخل في ذلك من صفات الله تعالى، ولما يفهمه هذا اللفظ من أن نفس كلام الخالق مخلوق وأن نفس هذه الكلمة مخلوق، ومنعوا أن يقال: حروف الهجاء مخلوقة؛ لأن القائل هذه المقالات يلزمه أن لا يكون القرآن كلام الله، وأنه لم يكلم موسى.
فجاء أقوام أطلقوا نقيض ذلك فقال بعضهم: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فبدع الإمام أحمد وغيره من الأئمة من قال ذلك.
وكذلك أطلق بعضهم القول بأن الإيمان غير مخلوق. حتى صار يفهم من ذلك ((أن أفعال العباد)) التي هي إيمان: غير مخلوقة، فجاء آخرون فزادوا على ذلك فقالوا: كلام الآدميين مؤلف من الحروف التي هي غير مخلوقة. فيكون غير مخلوق. وقال آخرون: فأفعال العباد كلها غير مخلوقة. والبدعة كلها فرع عليها وذكر لوازمها زادت قبحاً وشناعة، وأفضت بصاحبها